ظاهرة "المتسولات" تجتاح أسواق وشوارع غزة..ولا رادع\
من تحت اللثام الأسود، تظهر ملامح عينيها التي تخفي علامات الألم والحاجة، تتنقل من شخص لشخص مادة يدها ومتمتمة بشعار حفظته عن ظهر غيب: "أمانة عليك تعطيني ولو شيكل واحد"، منهم من يحنو عليها، ومنهم من يزجرها، وآخر يدعو لها بأن يرزقها الله من فضله. حاولت "الاستقلال" الاقتراب منها والحديث معها، إلا أنها رفضت بداية، وأومأت لنا أنها بحاجة لما يسد رمقها، بعدها وافقت على إجابة أسئلة مراسل "الاستقلال"، فدار الحوار التالي:-
متسولات تاجرات
-ما الذي يدفعك إلى التسول وتحمل الأذية في سبيل ذلك؟
(الحاجة) والفقر ما يجبرني على ذلك ، ويزيد الأمر تعقيدا أبي المريض بالقلب، ولا معيل لنا، فأنا أكبر أخوتي وتحملت مسئوليتهم مبكراً، ولا أمد يدي إلا وقت الحاجة، حيث لا أنزل يوميا إلى الشارع.
-هل توجهتم إلى الجهات المعنية كوزارة الشئون الاجتماعية وغيرها؟
أجابت بتردد قطع صمت المكان "حاولنا كثيراً لكن لا أحد استجاب لنا.
- اليوم تسول، وهذا مفتاح للوقوع بالهاوية، وغداً قد تكون الجريمة أو السرقة أو حتى الرذيلة وكله بسبب الحاجة كما تقولين، هل تعرضتٍ للإيذاء والمضايقات كونك فتاة ولك الجولات والصولات بالمرافق والمحال التجارية والمساجد ؟
بدا عليها الامتعاض والقلق وبدأت تنظر حولها وكأنني عطلت جزءً مهماً من عملها وأضعت عليها الكثير خاصة أن ذلك اليوم صادف يوم استلام رواتب الموظفين.
أجابت بتنهيدة غريبة "أنا أسعى لأحقق حاجاتنا وأبتعد عن الأخريات اللاتي أعتبرهن مشبوهات أو حتى أخاف على نفسي منهن، ولكن لا أستطيع أن أحمي نفسي من الإيذاء والمضايقة حتى لا أعلم إذا ما سأُجبر على السرقة أو أشد منها إذا ما ضاق حالنا واشتد الكرب وأتمنى ألا أصل لتلك المرحلة. العديد ممن يعملن في تلك المهنة يسرْنَ بنظام وتخطيط ويتم توزيعهن على المرافق العامة وبشكل يومي وباحتراف، وتحديداً آخر النهار لإعطاء ما تم جمعه للمسئول عنهن، ويقوم هو بدوره بتوزيع المال لمن يستحق ذلك، وتفتخر بعضهن بذلك العمل وبأعمال السرقة.
انتهى حديثها وسريعاً جلست تفترش الأرض ومعها قطعة من الكارتون وضعتها بجانبها لتجمع بها المال..
هذه الفتاة ليست إلا واحدة من مئات المتسولات اللاتي ينتشرن في الأسواق وقرب البنوك والمرافق العامة والمتنزهات بمختلف محافظات قطاع غزة، يمددن أيديهن رغبة في الحصول على دراهم معدودة، منهن من تجبره الحاجة على ذلك، وأخريات اتخذن من التسول مهنة للكسب يشجعهن على ذلك أزواجهن وآباؤهن وإخوانهن، وبعضهن يحملن أوراقا وتقارير طبية، وبين أيديهن أطفال رضع يستخدمون كأداة لاستجلاب عطف الناس.
مشكلة وخيمة
"الاستقلال": التقت جمال البورنو، رئيس قسم الشئون الإدارية بوزارة العمل، والذي أوضح أن ظاهرة المتسولات بالقطاع باتت منتشرة خاصة قرب المحال التجارية والمساجد، وهي مشكلة وخيمة لا تُحمد عُقباها، بحسب قوله، مؤكدا ضرورة وضع حد لهذه الظاهرة من طرف السلطات المعنية. وعن دور وزارة العمل قال البورنو: يقوم باحثون ميدانيون تابعون لوزارة العمل بالبحث عن الحالة وأوضاعها إلى جانب الباحثين بوزارة الداخلية، حتى الوصول لحقيقة المتسول هل هي (تجارة) أم بسبب حاجة حقيقية.
وأشار إلى أن ارتداء المتسولات "التاجرات" للنقاب فيه إساءة للملتزمات ممن يرتدينه تدينا.
وفي ذات السياق أكد البورنو أن التسول بوابة للجريمة، خاصة أن بعض المتسولات يتم التحرش بهن وإيذاءهن.
ويضرب البورنو مثالا للمتسولات التاجرات: كانت متسولة تجوب المساجد طالبة للمال، وحين توفاها الله تم كشف النقاب عن وضعها المادين لنفاجأ بأنها غنية جداً ولديها ثروة طائلة!!
وقابلت الاستقلال العديد من المواطنين وسألتهم عن رأيهم في ظاهرة التسول، حيث أجمعوا على سلبية هذه الظاهرة وضرورة العمل الجاد على وضع حد لها لما فيها من إساءة لصورة المجتمع الغزي المحافظة.
الحصار زاد التسول
من جانبه، أكد المهندس إيهاب الغصين، الناطق باسم وزارة الداخلية في حكومة غزة أن وزارته معنية بالحد من ظاهرة التسول والتضييق على المتسولين، لكن الحصار والبطالة وقلة فرص العمل تجبر المواطنين ومنهم فئة النساء على التسول.
وأضاف الغصين لـ"الاستقلال": يتم تحويل المتسولين إلى الجهات المتخصصة للتأكد من وضعهم والتحقيق معهم، وإذا ثبت أنهم محتاجون فعلا يتم التعامل معهم على هذا الأساس، أما إذا كان العكس فالتعامل معهم يكون بصورة أخرى وملاحقة المشتبه فيهم ومشغليهم من قبل المباحث، ولا يتم وضعهم كلهم تحت دائرة الاتهام، بل يوجه الاتهام والسؤال لمن يقف وراءهم، للتأكد ما إذا كان خلف عملهم شبكات سرقة أو عمالة أو تجارة لا أخلاقية. وتابع بالقول: بالنسبة للنساء، إذا ما تم الكشف عن شبكات سرقة أو أمور لا أخلاقية يتم العلاج في دوائر مغلقة، فهناك متناقضات يتم التعاطي معها بفقه الموازنات حسب المصلحة العامة". وفي ختام حديثه أكّد أن هذا الأمر يعالج أيضا عن طريق التوعية من جهات ومؤسسات ذات علاقة ومن قبل مبادرات تحمل على عاتقها محاربة هذه الظاهرة وظواهر أخرى أكثر تعقيداً.
عن صحيفة الاستقلال
_________________
تحياتي:
العقول الكبيرة تبحث عن الأفكار..
والعقول المتفتحة تناقش الأحداث..
والعقول الصغيرة تتطفل على شؤون الناس..
مدونة /http://walisala7.wordpress.com/
أمس في 12:38 من طرف رضا البطاوى
