أيُّها العُقلاءُ الأكارمُ : إنًّ العُمُرَ قصيرٌ، وإن طالَ التـَّمَتـُّعُ بهِ, وإنَّ القبرَ يَضِيْقُ إلاَّ لِمَنْ أعدَّ لهُ, وإنَّ الحسابَ قريبْ , فمَنْ يُعِدُّ لهُ ؟ فاليومَ عملٌ ولا حِسابْ, وغداً حِسابٌ ولا عَمل, فلا بدَّ واللهِ منَ التفكـُّرِ والتدبُّرِ, إذا علِمنا أنَّا ما خـُلقنا إلاَّ لِنعبُدَ اللهَ عزَّ وجلَّ كما أرادَ لنا أن نعبُدَهُ . وكتابُ اللهِ يَحُثـُّنا على إخلاص ِالعمل ِوحسن ِصِحَّـتِهِ ﴿( قلْ إنِّي أمرتُ أنْ أعبُدَ الله َ مُخلِصاًً لهُ الدين {11})﴾ ألزمر .
ويَطلبُ مِنـَّا البقاءَ على ذلكَ حتى نلقاهُ ﴿( واعبُدْ رَبَّـكَ حتى يَأتيَكَ اليقين{99}) ﴾الحِجر .أيْ : ألموت .
وإنَّا لنرى أحكامَ اللهِ وقدْ عُطِّـلتْ , وشَريعَتـُهُ وقدْ غُـيِّبَتْ , وأنَّا واقِفونَ ببابهِ , ليسْألَنَا عمَّا قدَّمنا لِدينِنا وأنفسِنا وأمَّـتِنا (وقِفـُوهُمْ إنـَّهُمْ مَسئولون{24}) الصافات .
فلا تـُنحُّوا أنفـُسَكمْ وتـُبَرِّؤوها بحُجَّةِ ماذا عَملَ العامِلونَ ؟ بلْ سَلوا أنفـُسَكم ؟ ماذا قدَّمتم لِلعامِلينَ لِدينِكـُم فاَنَّـكـُمْ مُّلاقوه , فإنْْ كانَ خيراً فخيرٌ قدَّمتمُوه ﴿(كلُّ نفس ٍبما كسَبتْ رهينه {38}) ﴾المدثر . وإن كانَ شراً فلا يَلومَنَّ إلاَّ نفسَهُ ﴿(بل ِالإنسانُ على نفسِهِ بصيرة ٌ{14} ولو ألقى معاذيرَهُ{15})﴾ ألقيامه .
وهذا أبوالدرداءِ رضيَ الله ُتعالى عنهُ لمَّا حضَرتهُ الوفاة ُبكى , فقيلَ لهُ : يا أبا الدرداءِ أجَزَعَاً منَ الموتِ تبكي؟ فقالَ : لا واللهِ ما جَزَعاً منَ الموتِ أبكي , ولكنِّي تيقنتُ أنِّي مُقبلٌ على رَبِّي وأنـَّه سائِلي, أعلِمتَ يا أبَا الدرداءِ ؟ فأقولُ إيْ وَرَبِّيْ قد علِمت , فيقولُ :قدْ علِمتَ فماذا عََمِلتَ بمَا علِمْت؟
وها أنتم أيُّها الإخوة ُالأماجدُ : وقدِ استنهَضَكـُمُ العامِلونَ لِدينِكـُمْ , فانفـُضوا عنْ أنفسِكـُم حُبَّ القعودِ والتكاسُل ِ, وهوانَ التقاعس ِ والتواكل, وعاهِدوا أنفـُسَكـُم على نصرَتِهمْ حتى يمكـِّنَ الله ُ دينهُ ويعجلَ نصرهُ فتفـوزوا، حتى يُعَجِّـلَ اللهُ نصرَهُ فكلٌّ مِنـَّا على ثغرَةٍ من ثغرِ الإسلام ِفلا يُأتيَنَّ الإسلامُ من قِبَلِه, وما النـَّصرُ إلاَّ صبرُ ساعة , فعَجِّـلوا وسارِعوا إلى مَغفِرَةٍ من ربِّـكـُم و رِضوان .
ليكونَ لكـُمْ شرَفُ السَّبْق ِفي إعزازِ هذا الدِّين ِوتمكينِهِ وحَملِهِ , لتكونوا شُهداءَ على النـَّاس ِويكونَ الرَسولُ عليكـُم شهيداً .وقدْ بَيَّنَ نبيُّـنا صلى اللهُ عليهِ وسلمَ فقالَ لِعبدِ اللهِ بن ِعُمَرَرضيَ الله ُتعالى عنهما (إذا أصبَحتَ فلا تحَدِّثْ نفسَكَ بالمَسَاء, وإذا أمسَيتَ فلا تحَدِّثْ نفسَكَ بالصباح وخُذ منْ حَياتِكَ لِمَوتِك, ومن صِحَّـتِكَ لِسَقمِكَ, فإنَّـكَ يا عَبدَ اللهِ لا تدري ما اسمُكَ غدا )