نداء الجزائر الذي سمعناه !
بقلم: تامر المصري.
جاءني من الأخوين المثابرين المُبتعثيْن، للعمل في سفارتنا الفلسطينية لدى الجزائر، عز الدين خالد، ود. علي شكشك، الأول بمثابرته وتحمسه المفرط في الانتماء، والثاني برفاهيته الفكرية وذائقته الثقافية التي لا تخطئ نصا، البيان الصادر عن الشخصيات والفعاليات الوطنية في الجزائر، والذي تم نشره في الصحافة الجزائرية، موجَها إلى الإرادات الفلسطينية الفاعلة، في محوري رام الله وغزة، وعموم الفصائل الفلسطينية، لاسيما منها حركتا فتح وحماس، بضرورة التوحد تحت سقيفة الثوابت الفلسطينية، التي لا يزيغ عنها إلا عابث، وهالك بعد حين، وذلك تحت عنوان (نداء الجزائر: يا إخوتنا في فلسطين توحدوا).
لأجد أننا كفلسطينيين حقا، بحاجة إلى صيغة آمرة تذهب بنا لتعزيز الوحدة، ما دمنا ندرك دون خداع للذات، أن الرهان على ترف الضمير لدى البعض الفلسطيني، وإن قام فصام، أو صلى فبكى واستبكى، غير ذي جدوى بحكم التجربة، فاحتجنا لأسلوب الأمر بصيغة الجمع، لعل المتعفف عن الوفاق في مجموعنا الخلافي، بأنَفَة اللامبالي، تحصنا بجزالة القول والخطابة دون فعل، يميز نفسه في ضمير المُخَاطَب الشمولي، فيستفيق من نوبة جنونه المؤذي، ويتهيأ للدخول في حالة لا بد منها، من الوئام والوصال، بين جناحي ما تبقى من أصول الوطن، بعد أن يتحلل من عقدة الاستحواذ الفاضحة.
وصلني البيان الجزائري الأخوي، على تلاوتين الكترونيتين، في غمرة الحاجة إليه، وقد صار شقاقنا الفلسطيني، علامة فارقة، في التراجع بالقضية إلى ما بعد الوراء بوراء، بفعل ما لا ينبغي لنا فعله، ففعلناه بذات فداحة خطيئة النازلين عن الجبل، الساعين إلى الغنائم يوم أُحُدهم، في حضرة النبي الأعظم، عليه الأتمان الأكملان منهما، صلاةً وتسليماً حينذاك. وقد كان التكرار منا عوجا كبيرا، في زماننا الذي أعلن فيه بعضنا، أحقيتهم بحمل الرسالة دون غيرهم، فصاروا أدعياء نبوة، في وقتٍ لا يشتهينا كأنبياء، بقدر ما يشتهينا كعقلاء، دون زيادة في التوصيف.
إن أكثر ما يعبر، عن صدقية وأهمية البيان المذكور أعلاه، أنه جزائري الهوى والغريزة، وتلك غريزة نضمن إذا ما شكلت نفسها، أنها على وداد بالفلسطيني، ووفرة بالمشاعر النبيلة الحريصة عليه، فتراها أخوة تصون شرف الأهل والعيال، بالخوف والحرص والإيثار، في حوض عروبة تجمع فلسطين مع الجزائر، لا جنبا إلى جنب، بل قلبا إلى قلب. فيما آثر الموقعون على بيان نداء الجزائر، تبيان حجم الخطر المحدق بالقضية الفلسطينية، والمشروع التحرري ككل، إذا ما استمر النشاز الوطني بين الضفة الغربية وقطاع غزة، على عبثيته الحاصلة، وهو نشاز يصلحه الاستواء بالعلاقة بين شقي المعادلة الفلسطينية، ويقتل المعادلة نفسها الطلاق، إذا ما بقي الفراق بين الطرفين واقعا فتطور لاحقا إليه. فحق علينا وعلى كل بصير، أن يحسم نفسه لصالح صوت العقل، الآتي من الجزائر هذه المرة، لنرفع الأصوات بذات النداء وكلماته ومضمونه، فنعلن أنفسنا جزائريين لصالح فلسطينيتنا، التي لا تحتمل المزيد من الشقاق.
لم يكن هذا العام، الذي يشهد التظاهرة الثقافية، بالقدس عروسا عربيا، أكثر من فسحة للاسترخاء الذهني العربي، للأصحياء فكريا وضميريا، في البحث والتقصي عن كيفية ترجمة عشق فلسطين إليها، في خطوات عملية تعبر عن عمق الرابطة وأصالة الصلة ووحدة المصير، في ظرف باتت فيه فلسطين في أضعف حالاتها وأشدها هونا، فكان ما كان من حتمية الاستفاقة، التي يستوجبها القائم من التحديات الشاطبة بعد حين، لفلسطين وأهلها ومقدساتها، إلا ما استقر في كانتونات غير ذات تأثير معطل في نمو إسرائيل. وليس أجدر بأن يقوم بهذه الاستفاقة من غفلة الموهوم المخدوع بالسلطة والتسلط، سوى الإرادات الفلسطينية القادرة إن استجمعت قواها، على أن تكون مهمازا أصيلا ومبدعا، لتحفيز الأمة على المزيد مما تقتضيه النخوة والأخوة، من أجل فلسطين لا سواها من الأحزاب والفصائل والرموز والشخصيات، كي لا نخرج من "المولد بلا حمص"، كما قال لي باسما أو ضاحكا، قل لا فرق، أحد مقاومي إيران على الشاشات الفضائية، من ذوي الأصول النجفية، في حضرة صديق ومقدم برنامج مشاكس، في الدوحة قبل عامين، مع أنه قد أكد لي حينها ـ أي الأول ـ؛ أننا قد خرجنا فعلا، من المولد المذكور على لسانه الطهراني، باصطلاحات التجارة، التي صارت فيها الأوطان والمصائر سلعة، كحال السلع الأخرى.
ندرك بحال من الأحوال، أن فلسطين لن تكون إلا وطنا واحدا، طال الانقسام أم قصر، لكل أبنائها وعربها ومسلميها ومسيحييها، وعموم الخيرين على ظهر البسيطة، شاء الوفاقيون أم أبى الخصاميون. غير أن تداعيات ما يجري، من جفاء بين قطبي الساحة الفلسطينية، وما يترتب عليه من شقاء لشعبنا، وهناء لعدونا، وخذلان لأخوتنا وأصدقائنا، ومبرر لكل من أراد نفض يده من القضية الفلسطينية، نفضها مرة وإلى الأبد، يحتم على الكل الفلسطيني الاستجابة للأمر الإلهي، بأن ولا تفرقوا بعد أن واعتصموا. ومن ثم الامتثال لنبض الشارع الفلسطيني اليائس من الفرقة، بالتوحد والتمترس خلف الثوابت الوطنية، وكذاك رد الاعتبار بوحدتنا لوعي كل الأشقاء العرب، الذين أصابتهم حسرة الضياع بعد الضياع، في جرحنا المنفتح عليهم بانعكاساته. لنجدد الأمل والمطلب بضرورة إنهاء الانقسام الجيوسياسي الحاصل، بين الضفة والقطاع، عبر إنجاح الحوار الفلسطيني الفلسطيني، على أقرب طاولة يجتمع عليها الأشقاء الفرقاء، ولا أرحب منها سوى هي التي بقاهرة المعز لدين الله، إنصافا للذات الفلسطينية قبل كل شيء، في وقت ينفتح فيه الداء على البلاء. ما يقتضي القول ألا بديل عن الإصغاء لنداء كنداء الجزائر الذي سمعناه، فوجب علينا شكر القائمين عليه جميعا، وفي صدارتهم المثقف الأمين على عروبته وإنسانيته، البروفيسور عبد الكاظم العبودي، الذي أدمن قلمه بلسمة جرح فلسطين، بذاك القدر الذي أدمن فيه أبناؤها، ترياق قلمه، الراسخ على الثوابت، التي نضج عليها هو وآخرون، فيما نحن حتما لهم جميعا شاكرون.
_________________
تحياتي:
العقول الكبيرة تبحث عن الأفكار..
والعقول المتفتحة تناقش الأحداث..
والعقول الصغيرة تتطفل على شؤون الناس..
مدونة /http://walisala7.wordpress.com/