"المحسوبية" .. ثقافة الانسداد!!
أضحت كلمة "الواسطة" أو "المحسوبية" كما يحلو للبعض أن يسميها -
من أكبر المشكلات التي تواجه الشباب العربي عموماً والخريجين حديثاً على
وجه الخصوص حيث يشكو الشباب من عدم قبول الشركات الكبرى لتعيينهم أو حتى
مجرد تدريبهم وتأهيلهم لسوق العمل إلا بالواسطة والمحسوبية.
البعض من هؤلاء الشباب رضي بواقعه فظلت طموحاته حبيسة مشاعره، فظل
مكبوتاً ينظر للعالم من حوله بنظارته السوداء فاقداً أمله الوحيد في
التعامل مع ذلك العالم من خلال "لغة المحسوبية"، يبرر شعوره بالاستياء إزاء
تلك اللغة الجديدة التي ضربت سوق العمل والتي تؤكد دراسة مصرية أجرت على
2000 فردا تحت عنوان "الأطر الأخلاقية الحاكمة لسلوك المصريين" أن 87.4 %
من أفراد العينة يرون أن الواسطة والمحسوبية سيطرت على التعاملات داخل
الأوساط المختلفة، فيما أكد 89.7 % أنهم لا يستطيعون قضاء حوائجهم دون
اللجوء للواسطة.
وفي الأردن أعلن "منتدى الشفافية الأردني" أن الواسطة ما زالت هي الوجه
الأبرز للفساد في المجتمع الأردني، ومن المثير ضمن نتائج استطلاع للرأي في
هذا الشأن أن 91.3 من المستفتين لا يعرفون أنّ هناك مادة في القانون
الأردني (قانون هيئة مكافحة الفساد) تجرّم مرتكبي الواسطة غير الشرعية.
ولم يختلف الأمر كثيراً في الأراضي الفلسطينية ففي استطلاع للرأي شمل
عينة عشوائية من الأشخاص البالغين بلغ عددها 1319 شخصاً في 120 موقعاً
سكنياً اعتبر 52% من المستطلعة آرائهم بأن ظاهرة الواسطة هي الشكل الأكثر
انتشارا في المجتمع الفلسطيني وهذا ما يؤكده فئة الشباب وفئة المتعلمين،
وفئة الفقراء والمهمشين وفئة الأشخاص ذوي الدخل المحدود .
إزاء انتشار لغة المحسوبية أبى البعض من الشباب إلا أن يستعيد ما يريد
الآخر سلبه إياه بطرق غير مشروعة، ومن هؤلاء الشباب تكون فريق "معاً" الذي
استهدف نشر الوعي بين طبقات المجتمع بأهمية العمل التطوعي في تنمية
المهارات والخبرات وبناء الكوادر القادرة على تحمل المسؤولية والمشاركة في
صنع القرار.
"معا" يضم أكثر من عشرة آلاف وستمائة عضو، وعمره 3 سنوات منذ انطلاقه في
القاهرة عام 2007، ويبدو أن الفريق لا يتحدى الواسطة والمحسوبية فحسب بل
يتحدى كل العوائق والفواصل الجغرافية ليجد شباباً طامحين يحلمون بتنفيذ
الفكرة في دبي وفي عواصم أخرى من العالم العربي .
يقول أسامة الجوادي أحد الثلاثة المؤسسين لفريق "معاً": عملنا التطوعي
لتطوير وتنمية مهارات الشباب وذلك لربط الطلاب وحديثي التخرج بسوق العمل
بطريقة عملية لرفع مستوى الرغبة في العمل لدى الشباب عن طريق معرفة كل ما
هو جديد في سوق العمل، وكذلك تدريب الشباب على المفاهيم الأساسية في
الإدارة والتخطيط وغيرها من الموضوعات ذات الصلة بسوق العمل.
ويبدأ "معاً" بتدريب الشباب على كتابة السيرة الذاتية التي تضمن لهم
احترام الجهة التي يتقدمون إليها، وكذلك كيفية اقتناص وظيفة مرموقة
بالاعتماد على مهاراته وخبراته بالإضافة إلى اقتناص منح مجانية لكبرى شركات
التدريب في كافة المجالات، وكذلك ربط الطلاب قبل التخرج بالشركات الكبرى
في تخصصاتهم من خلال تدريبهم على كيفية اقتناص التدريب الصيفي من تلك
الشركات، ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد بل يعمل الفريق على ترسيخ مفهوم
العمل التطوعي لدى هؤلاء الشباب لتدريب غيرهم في المجالات المختلفة بطريقة
عملية وممنهجة.
مروة الدمرداش إحدى الفتيات التي استفادت من التجربة في تطوير مهاراتها
في سوق العمل تؤكد أن هدفها كغيرها من الفريق تسعى لسد الفجوة بين الشباب
وسوق العمل، فالشباب يشكو بكثرة من مشكلة البطالة وسطوة المحسوبية على
القطاع الأكبر من الوظائف المرموقة في الوقت الذي تؤكد فيه كبرى الشركات
أنها في حاجة إلى شباب مؤهل للعمل في وظائف مرموقة، فالفريق يحاول أن يكون
حلقة الوصل بين الخريجين من خلال تأهيلهم العلمي والعملي وبين الشركات
المختلفة التي لابد وأن تحتكم في النهاية إلى معيار المهنية والخبرة حتى
تحافظ على مكانتها.
أحمد خالد كان يؤمن بأن التوظيف في إحدى الشركات المرموقة لا يمكن أن
يتم إلا من خلال الواسطة والمحسوبية ولكن بعد تجربته يؤكد أنه حصل على بعض
المنح في التدريب الصيفي في إحدى كبرى شركات البترول دون أي واسطة إلا أنه
عرف كيف يتعامل عند التقدم لنيل تلك المنح، ويؤكد أنه على أتم استعداد
لتعليم غيره كما فعل أسلافه معه.
أسماء محمد ترى أن كل إنسان يحتاج إلى من يأخذ بيده درجة من السلم فلو
قام كل شاب بالأخذ بيد غيره سيستفيد هو أولاً ثم سيفيد غيره، فهي على حد
قولها تسعى إلى أن توصل خبراتها في مجال عملها إلى الآخرين الراغبين في خوض
نفس المجال.