- لم يكن يتوقّع الفلسطينيون أنه على الرغم من
الحصار الإسرائيلي المطبق على قطاع غزّة، إلا أن الأسواق الغزّية أتخمت
وتشبّعت بكل ما يحتاج إليه المواطنون، حتى وصلت أسعار المواد المختلفة
للحد المعقول، ما حذا بالتجار، الذين يتحكمون بالأنفاق التي حفروها بين
غزّة والأراضي المصرية، بالتوقف الموقت عن إدخال البضائع، وبالتالي توقّف
الأنفاق والعمّال عن العمل.
شكّلت الأنفاق، على الرغم من حالات الموت شبة
اليومية بداخلها، مصدر رزق لأكثر من 30 ألف عامل تقريبًا يعملون في أكثر
من 1500 نفق حفرها الفلسطينيون، إلا أن توقف العمل لمئات الأنفاق، أدخل
هؤلاء العمّال في شبح البطالة من جديد، على الرغم من تدنّي أسعار أجرتهم
في الآونة الأخيرة، قياسًا ببداية العمل، بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة
على غزّة مباشرة.
يشير عمر، شاب يسكن بالقرب من الحدود بين رفح
الفلسطينية ونظيرتها المصرية، إلى أنه كان يتقاضى 50 دولارًا، لكنه الآن
يتقاضى نصف المبلغ تمامًا، وعلى أيام متفاوتة بحسب حاجة العمل. وقال
لـجريدة 'إيلاف' إنه 'بسبب كثرة الأنفاق والبضائع والعمّال في آنٍ واحد،
إستغلّ أصحاب الأنفاق حاجة العمّال لخفض أجورهم، فقد كان يتقاضى العامل
100 دولار مع بداية عمل الأنفاق، قبل سنوات، لكنة تقلّص تدريجيًّا إلى 50
دولار، والآن أصبح يتقاضى 25 دولارًا. ومع هذا، فإن آلاف العمّال توقفوا
عن العمل، بسبب توقّف التجار عن إدخال بضائعهم، نظرًا إلى تشبّع أسواق
غزّة بكل ما يحتاج إليه'.
ويؤكد صلاح الدالي، تاجر وصاحب مصنع لأثاث منزلي، أن
كمية الأخشاب داخل مخزنه كبيرة، بما يمكنه من العمل لقرابة عام مقبل.
وأوضح لـ'إيلاف' 'لست بحاجة إلى هذه الفترة على الأقل لشراء طلبية أخشاب
جديدة، فمخازني ممتلئة تمامًا بأنواع الأخشاب، التي احتاج إليها لغرف
النوم والكنب وطاولات السفرة'.
وأضاف 'لقد كنا نبيع غرفة النوم، على سبيل المثال،
مع بداية السنة الثانية للحصار، بأكثر من 2500 دولار، لكننا الآن خفّضنا
سعرها لقرابة 1500 دولار. إلا أن الفلسطينيين ليسوا جميعهم بحاجة إلى شراء
أثاث منزلي. وهذا المرّ ينطبق على تجار الأجهزة الكهربائية والبضائع كافة،
التي يشتريها الإنسان لمرة واحدة في سنوات متعدّدة'.
وعدا المواد الغذائية، فإن الركود بات عنوان المحال
والمصانع والورش المختلفة. وأثّر هذا بشكل كبير جدًّا على الحركة التجارية
والصناعية والعمرانية في غزّة، وكان العامل الفلسطيني هو المتضرر الأساس
من هذا كله.
وتبدو معاناة العمّال الفلسطينيين، بحسب محافظ خان
يونس الدكتور أسامه الفرا، أكثر محافظة في قطاع غزة من حيث زيادة نسبة
البطالة بين شبابها، عندما أغلقت إسرائيل تمامًا مدنها أمام أكثر من 120
ألف عامل من قطاع غزّة، كانوا يعملون في أراضي الـ 48 التي إحتلتها
إسرائيل سنة 1948
ومع بداية إنتفاضة الأقصى، التي إندلعت عام 2000، منعت
إسرائيل عمّال غزة من العمل داخل مدنها، ما حذا بتلك الشريحة للبحث عن
بديل، في ظل الحصار المشدد، دون جدوى. واضطر عشرات الآلاف منهم للعمل تحت
الأرض- في إشارة إلى الأنفاق- إلا أن هذا العمل أصبح شبه متوقف، بسبب
تشبّع السوق الغزية بالبضائع المختلفة، وفي محصلتها عاد العامل لنقطة
الصفر من جديد'.ولا توجد إحصاءات رسمية حول عدد الأنفاق أو عدد
العمّال، الذين يعملون في تلك الأنفاق، لكن يقدّر خبراء في المجال عينه،
أن أكثر من 1700 نفق، تم حفرهم بين غزّة والأراضي المصرية، يعمل بداخلها
أكثر من 30 ألف عامل. وعرض أصحاب الأنفاق في الآونة الأخيرة بيع أنفاقهم
بسعر وصل إلى 20 ألف دولار للنفق لمن أراد شراءه. في حين أن تكلفة إنشاء
النفق الواحد تتجاوز 110 آلاف دولار.
وبحسب وزارة الصحة فإن 139 شابًا لقوا مصرعهم داخل
الأنفاق، فيما أصيب ما يربو على 630 مواطنًا نتيجة العمل في الأنفاق.
ونوّهت أن أسباب الوفاة كانت إما جراء قصف إسرائيلي لتلك الأنفاق، أو بسبب
الإنهيارات المتزايدة للإنفاق، أو إنفجار بعض خطوط البترول ومواد حارقة
أثناء تهريبها داخل النفق.