رأيت أناساً يريدون العيش ولا رغبة لديهم في الانتقام والتدمير
- إحياء لذكرى العدوان الذي خلف مئات من المدنيين الأبرياء شهداء،
قام المحلل الصحافي البريطاني دونالد ماكنتاير بزيارة المكان الذي شهد
أكثر الصراعات رعبا في عصرنا الحاضر.
وخصصت
صحيفة 'ذي صنداي اندبندنت' عدة صفحات من ملحقها الأسبوعي لمقال ماكنتاير
وزينته بالعديد من الصور المفزعة، وقالت إن حلمي السموني لا يزال يأمل في
وقت من الأوقات 'إن شاء الله' أن يعود إلى عمله السابق مساعد طباخ في مطعم
'بالميرا' في غزة الذي اشتهر بأفضل 'شاورما' في المدينة.
لكنه
حتى الآن ليس في وعيه تماما للعمل، فهو ليس مثل موسى الذي فقد والديه
وشقيقه خميس، فقد شهد حلمي ليس فقط مقتل والده طلال ووالدته رحمه بل ايضا
زوجته مها (20 عاما) وابنهما الوحيد محمد (6 اشهر) من بين 21 شهيدا نتيجة
قصف مدفعي للمنزل الذي أمرتهم القوات الاسرائيلية اللجوء اليه. وما زاد
الطين بلة انه ليس لديه صورة لأي منهم فقد احترقت عندما سلطت المدفعية
نيرانها على منزل العائلة.
وإذا
كانت الاعتداءات الإسرائيلية لم تنقطع بين حين وآخر، فان القصف المتواصل
بعد ظهر يوم سبت الذي بدأ به العدوان كان مفاجأة. ولكن إذا كان التوقيت
مفاجئا، فان القسوة غير المسبوقة للعدوان على القطاع كان يحمل مفاجأة أكبر.
فقبل
أكثر قليلا من أسبوعين تبجحت وزيرة خارجية اسرائيل انذاك تسيبي ليفني في
لقاء على الراديو أن 'اسرائيل..دولة ترد بجنون عندما تطلق النار على
مواطنيها.. وهذا من القواعد المفيدة' حسب قولها.
وسواء
مثلما جاء في تقرير القاضي ريتشارد غولدستون من ان اسرائيل 'استهدفت'
السكان المدنيين أو ما إذا كان بعض الجنود حسب قول بعضهم ان الجيش تمرد
ببساطة على حماية أرواح الفلسطينيين، فان الأرقام تدل على مدى ما وصلت
إليه تلك 'الدولة' من 'جنون'.
فقد
أوردت هيئة حقوق الإنسان الإسرائيلية 'بيتسيلم' أن مجموع الشهداء بلغ 1387
بينهم 773 مدنيا. وفي الوقت نفسه قتل أربعة إسرائيليين نتيجة اطلاق
الصواريخ وتسعة جنود إسرائيليين في غزة قيل إن أربعة منهم بطلقات 'صديقة'.
وقالت
'بيتسيلم'، مشيرة إلى انه حتى الآن لم توجه التهم إلا إلى جندي واحد بسبب
قيامه بسرقة بطاقة ائتمان فلسطينية، انه طالما أن الجيش الإسرائيلي يجري
التحقيقات بنفسه، فان أي اتهام لن يوجه إلا إلى حاملي 'الرتب الدنيا'، وان
كان لا بد من إجراء تحقيق مستقل يمكنه أن يوجه اللوم إلى 'كبار الضباط'
والى صانعي السياسة في 'الدوائر السياسية'.
ولعل
أهم ما يشغل بال الغزيين هو الحصول على الاسمنت. وقال جودت الخضري، وهو من
رجال الأعمال البارزين، إن غزة كانت تحتاج إلى حوالي 1500 طن من الاسمنت.
وما يصل من الاسمنت مرتفع الثمن عبر الأنفاق هو 150 طنا تقريبا، ولا يكفي
ذلك الا لتغطية احتياجات نسبة قليلة من الدمار.
ويقول
جون غينغ، مدير عمليات وكالة الاونروا، إن الغزيين يرون أن 'الحياة
اليومية تواصل التدهور وأنهم يستمعون ويقرأون ما يكتب عن الحرب، ويشاهدون
أن مسيرة السلام تواجه مزيدا من المصاعب'.
ويعرب
غينغ عن قناعته فيما يتعلق بالمواقف الايجابية لسكان غزة، ويقول أيضا:
'إنهم ليسوا إرهابيين، وليسوا من النوع الذي يلجأ إلى العنف. لكنهم شعب
متحضر عن حق.. رغم الطبيعة السلبية والظلم الذي يسود أوضاعهم'.
'إنهم
لا يتطلعون إلى الانتقام أو التدمير.. وهدفهم هو ذات الهدف الذي يسعى إليه
كل مدني متحضر على هذا الكوكب. إنهم يريدون فسحة للعيش وحقوق الإنسان
الأساسية. ويدركون الفرق بين الصواب والخطأ'.