الاضاحي للموظفيين .. والصدقات للعمال
استعد كأي عيد حضره وهو ميسور الحال ، للاتفاق مع صاحب
مزرعة المواشي على شراء خروف العيد ، ولم يعجزه وضعه المادي على تنفيذ
الاتفاق ودفع قيمة الاضحية كاملة بعد وزنها ، فالمواطن هنا موظف برتبة
جيدة في وزارة من وزارات السلطة الوطنية ، وراتبه يتقاضاه من رام الله
بشكل منتظم من فترة طويلة.
من
جانبه وعد اطفاله أن العيد قد اقترب ، وسيأكلون اللحم الطازج قريبا ،
وأكثر من طرف وعده أن حصته ستكون جاهزة ، مع اول أيام العيد المبارك ،
فدخل الى قلبه السرور ، وحمد الله كثيرا ، فالمواطن هنا ، عامل بناء ،
عاطل عن العمل منذ سنوات بسبب الحصار ، وانعدام مواد البناء ولوازم
العمارة في قطاع غزة .
رصد (أمد) الفئتين فكان :
الرائد
حسام وهو من جهاز البحرية ، التزم في السنوات الأخيرة مع مجموعة من
الاصدقاء على شراء حصة في عجل ، للاضحية ، يقول لـ (أمد) :' الحمدلله مع
تنظيم الرواتب في السنتين الاخيرتين ، استطعت أن اوفر جزء من راتبي
للاضحية ، وقد ضحيت العام الماضي وهذا العام ايضا ، والوضع عندي ماليا
افضل من ذي قبل ، وذلك يعود الى انتظام الراتب في موعده ، رغم أن قطاع غزة
يعاني من مشكلة الغلاء الفاحش ، إلا أن الموظف الذي راتبه يفوق الـ 4000
شيكل اي ما يعادل 1100 دولار شهريا ، يستطيع ، توفير جزء ولو بسيط من
راتبه ، والمسألة هنا تدخل في اهتمامات الانسان ذاته، فمن الناس من لديه
مالا ولكن لا يشتري اضحية ، والامر اعتقاد وقناعة '.
محمد
وهو عامل بناء ومنذ سنوات عاطل عن العمل، ينتظر 'البطالة' و'الكابونات'
والمساعدات الانسانية ، كي يوفر لقمة عيش لأولاده السبعة ووالدته المريضة
، يقول لـ(أمد) :' اذكر ما قبل الحصار وايام العمل داخل اراضي الـ 48 ، في
كل عيد أضحى ، اشتري اضحيتي قبل أشهر واتركها ترعى في فسحة الدار حتى اذا
جاء يوم العيد ذبحت اضحيتي وفرقتها كما نص عليه الشرع الحنيف ، سعادتي
وقتها كانت كبيرة ،وفرحتي في العيد لحظة أن اوزع اضحيتي على الفقراء
والاهل ، وأولادي يبدأون بالشوي في فسحة البيت ، هذا هو العيد الذي حرمته
منذ سبع سنين ، مرت عليا ، وعلى اسرتي ، حتى نسيت أنني عشت ايام خير ،
واصبحت انتظر حصتي من اضاحي الناس ، وهنا لا احسد او احقد على الموظفين
لأن ظروفهم افضل مني ، لا والله لست ككثير من الناس ، ولكنني اتمنى ان
يرفع الحصار ونعود لأعمالنا ، ونعيد الثقة في انفسنا ، ويعتمد علينا
أولادنا في حياتهم ، وضع العمال اليوم صعب للغاية ، بل هم الضحية التي
سقطت في مرحلة الانقسام والحصار ، ونزلت من خط الفقر مع الفقراء الى خطوط
الفاقة الكبرى ، لذا نرجوا من الجميع الذين أسرونا في تمترسهم خلف الحفاظ
على هذا الواقع الصعب الى التوقيع على ورقة المصالحة وانهاء حالة
الانقسام، غيرنا دمرت بيوتهم واصبحوا في العراء ، ولا مبرر كي يبقى هذا
الطرف في عناده وذاك في تصلبه ، بعد هذا الوضع الذي نعيشه لن يكون غير
الجريمة والنهب والسرقة واذا ما تضررت شريحة الموظفين معنا فأن انفجارا
سيكون في المجتمع وعندها ستفرح اسرائيل كثيرا ، اللقمة تؤكل في غزة وأن
بمرارة وقسوة ولكن لا احد يموت من الجوع ، وما يحدث ان الحياة صارت كارثة
للبعض فينا '.
الاستاذ
اسماعيل وهو موظف في مركز حقوقي للانسان في مدينة غزة ، يقول لـ(أمد) :'
المجتمع الفلسطيني اتجه الى منطقة خطيرة في ظل استمرار حالة الانقسام ،
وتغليب المصلحة الفصائلية على تمتين الروابط المجتمعية ، ونشر ثقافة
الكراهية ، بإطار الانتماء الى الفصيل ، فنجد ان حركة حماس قد احصت
اتباعها في كشوفات إلكترونية حسب المناطق والاحياء والحارات ، وفتحت لكل
منهم ملفا خاصا ، عن وضعه واسرته ودرجة نشاطه، ولكل مجتهد في حماس عندهم
نصيب ، واما الفصائل الاخرى فقد قمعت مؤخرا ولم تعطها حركة حماس واجهزتها
الامنية اي حرية كي تمارس التكافل الاجتماعي وتدعم مؤيديها ، بل قامت
بالاستيلاء على منابع هذه الفصائل ، واغلاقها ، وحتى الجمعيات المحايدة
والغير منتمية لجهة او فصيل اصبحت اليوم عرضت للمخاطر ، وعليها أن تمارس
نشاطها الخيري من خلال مسئول حماس في جهة معينة ، وهذا اوصلنا الى توسيع
فئة الفقراء وتغليبهم على سكان قطاع غزة ، والغير منتمين منهم لحركة
حماس ، والبعض يتحايل على وضعه بمحاولات لا تعرضه لخطر المساءلة من قبل
أمن حماس ، فلذا وصلنا الى مجتمع نسيجه مهتريء ، يغيب فيه التكافل
الاجتماعي والاحساس بالأخر ، وهي صفة ، رسخها ودعمها الاسلام بعد أن كانت
موجودة في منابت العرب الاصليين ، فأين نحن اليوم من العروبة واين نحن من
الاسلام ؟.'
قطاع
غزة يحرس نفسه بنفسه ولا زال يتعلم من كتاب الفتن، اعظمها ويمارس حقه في
الحياة ، على ما يستطيع ممارسته ،ولكن لا يتوقف عن المحاولة ، لذا
الموظفون الذين يتقاضون رواتبهم ويعلمون أن حماس حرمت جارهم او من اهلهم
البعيدين نصيبه في الاضاحي ، يحاولون اغلاق الخانة ،ومده بها ودعمه ، كي
يستمر على أمل الانفراج .