أرصفة الانتظار ::
عمال غزة .. ضحايا في واقع مرير
بدأت الأيام في شهر رمضان المبارك تمضي الى حيث لا ندري ،
تحمل قصصا عن أسر لا نعرف نحن سكان قطاع غزة عنها الكثير ، وربما صنارة
الصحافة ، نجحت في اصطياد بعضها القليل ، ليقرأ من حولنا عن حالات تدمي
القلوب ، وتسقط الدمع من العيون ، على غير تقدير ، وهذه المشاعر ليست حلا
لأبطال الحالات الانسانية الصعبة ، انما هي دلالة واضحة ، لصرخة رفض على
استمرار واقعهم ، ورسالة تأنيب الى أصحاب القرار في المطبخ السياسي
الفلسطيني ، الذين يمرون عابرة من غير عيظة على اصحاب هذه الحالات ..
أنهوا مجزرة غزة الباردة ، بسكين الانقسام .
ولعل
(أمد) استطاع أن يرصد حالات لأسر عمال كانوا أصحاب مهن وحرف ، برعوا في
أعمالهم ، كما برعوا في عيش كريم ، قبل واقع غزة اليوم ، الذين اصبحوا فيه
، سير من ألم مريبة .
هشام
، مقاول بنيان مشهور في حيه ، ومعلوم عنه أنه ' فنان' في عمله ، عمل داخل
الخط الأخضر فترة طويلة تجاوزت العشرين عاما ، استطاع خلالها كسب مهارة
كافية ، ورصد رزقا معقولا ، فبنى البيت وزوج الولد وحج بيت الله الحرام ،
وكان من أهل الخير والبر الذين يبحثون عن فقراء مجهولين ليمارس طاعة تقربه
الى الله ، اليوم هشام يقف في طابور طويل ، ليستلم معونة او مساعدة من
أحدى الجمعيات الخيرية في قطاع غزة ، يقول لـ(أمد) :' ليت القلب ينطق
ليقول عن حجم المرارة التي اعيشها ، سنوات اربع لم أعمل فيها إلا من ندر ،
وما ادخرته في سنين عملي ذهب في سنين عطالة العمل ، ولم اتوقف عن عملي
لمرض طاريء او مصيبة تخصني او جناية ارتكبتها ، ولكن لواقع ليس لي به من
قريب ولا بعيد ، غير أنني من سكان قطاع غزة ، اسرائيل التي منعتنا من
الوصول الى اعمالنا ، قطعت ارزاقنا ، وجعلتنا عالة على المجتمع ، بعد أن
كنا اسيادا ومن أهل الفضل فيها ، مارسوا ضدنا المنع ليقتلوا ارادتنا في
الحياة ، ولكنهم لم يستطيعوا ، تخطينا اسرائيل ومنعها ، واقمنا مشاريع
صغيرة في قطاع غزة ، وعشنا بخير ، ونسينا أيام ' اليهود ' وحمدنا الله ،
ولكن مع انقلاب حركة حماس وفرض الحصار على غزة ، كان مقتلنا ، كل شيء
انهار بالكلية في حياتي ، بعت سيارتي وذهب زوجتي ، وكنتي ( زوجة الابن) ،
واصبحت دون عمل أبحث في كشوفات وبرامج الجمعيات الخيرية عن معين لي
ولأسرتي ، هذا واقع فرض عليا ، كسر هيبتي ، ومكانتي بين الناس ، وانزل من
منسوب احترامي ، ليس لعار ارتكبته ، انما لواقع قضى على كثير من أمثالي ،
هاأنا اليوم أتسول كما تتسول الذبابة على موائد الناس ، أنتظر ' الكابونة
' التي اصبحت همي وقضيتي التي ادافع عنها ، وانتظر ' شيك' الشئون حتى اسدد
التزماتي تجاه اسرتي التي تعودت في السابق على مستوى معين أصبحنا اليوم
دونه مئات المرات ونقول يارب الستر ، وذا كله يتحمل مسئوليته اصحاب القرار
في قطاع غزة ورام الله ، الذين يستعرضون على حساب معاناتنا 'تمسكهم'
بالمباديء ، وعدم تناول طرف لطرف أخر ، وأن كان مدعاة التنازل هذا واسبابه
واجبة ، ومتعلقة بمصير مجتمع بأكمله ، اصبحنا مجرد أرقام في سجلات
المساعدات الانسانية والمعونات المصادرة والمباعة في اسواقنا والتي ارسلت
لعموم الشعب ، وصودرت من قبل حماس ، لتقبض ثمنها وتدفع بها رواتب موظفيها
، والأسر التي تناصرها ، اما نحن فلنا حر الشمس وألم الانتظار وقرصة
البطون ، حسبنا الله ونعم الوكيل '.
سراج
الدين يقول لـ(أمد) :' شريحة عمال الخط الأخضر هي اكثر شريحة في المجتمع
الفلسطيني اليوم مظلومة ، وخاصة عمال قطاع غزة ، فأغلب هؤلاء تحولوا اليوم
الى عاطلين عن العمل ، لا مورد لهم ولا مصدر رزق ، يعيشون على كفاف الناس
واحسانهم ، بعد أن كانوا 'دينمو' الاقتصاد الوطني في مرحلة ما ، واسباب
نهضة قطاع غزة ، اليوم أصبحوا مشكلة كبيرة تحتاج الى موزانة كاملة لحلها ،
وما يصلهم من معونات مبتورة بفعل التجاذبات الفصائلية التي يعاني منه
المجتمع في قطاع غزة ، فعمال الخط الأخضر الذين ركبوا موجة حماس ودخلوا
صفوفها وانخرطوا في مؤسساتها ، اليوم هم الذين يعيشون برغد من العيش ، اما
العمال الذين وقفوا على خط بعيد عن التجاذبات الفصائلية ، هم الضحايا في
المجهول ، لا أحد إلا قليل يناصرهم او يقف مع قضيتهم ، وعمال الذين سجلوا
وقائعهم في الشئون الاجتماعية ، المدعومة من رام الله ، يسندهم النذر
القليل ، ولو كان الأمر عندهم ليس افضل حال ممن لا يدخلهم شيء من الرزق '.
ويضيف
سراج الدين وهو أحد نشيطي نقابة العمال الفلسطينيين في شمال قطاع غزة ،
وموظف في وزارة الشئون الاجتماعية ، أن عامين الانقلاب جر الكثير من
الويلات على طبقة العمال ، وبغياب اهتمام المؤسسات الوطنية ، وتجاهل اصحاب
القرار في السلطة الوطنية وحركة حماس أمرهم إلا في بعض الفترات القليلة
التي يذكرونهم بمبلغ ( 100) دولار قد يقاتلهم عليها أرباب الاعمال ، ولا
تصل الى ما نسبته 30% من العاطلين عن العمل الحقيقيين ، وهؤلاء بطبيعة
الحال ليس لهم حل غير انهاء حالة الانقسام ، والتعامل مع العمال جميعا
سواسية ، مطالبة اسرائيل بتعويضاتهم ، والاضرار التي وقعت عليها
ويتحملونها نتيجة منعهم عن أعمالهم ، وعلى الرئيس ابو مازن أن يفتح ملفا
خاصا كملف القدس والاسرى واللاجئين وغيرها من ملفات المفاوضات مع اسرائيل
، للعمال وتدويل قضيتهم ، هذا أقل ما يمكن فعله لهؤلاء لأنهم هم فعلا
ضحايا الواقع الصعب اليوم في قطاع غزة .