وذكرت
في تلك اللقاءات أن بعض أفراد و ضباط جيش التحرير يخرجون من قطاع غزة
سيراً على الأقدام، متسللاً بمساعدة أهلنا في الضفة الغربية، وصولاً إلى
شرق الأردن، ومن الأردن يتجه الشباب إلى الشام ، وأفدتهم بأمر الجنرال
'موشي ديان' (وزير دفاع الكيان الصهيوني) القاضي بأن يتم فتح باب التصاريح
لأبناء قطاع غزة ممن يرغبون زيارة الضفة الغربية .. و عدم ممانعة أي فرد
منهم يريد التوجه للأردن، و بهذه الخطوة تم تفريغ قطاع غزة على مدار أيام
قليلة من الأغلبية الساحقة من ضباط جيش التحرير وجنوده .
وهنا
أذكر شيئاً خاصاً بي، فلم أكن أعرف شيئاً عن عائلتي، وعرفت وكنت في دمشق
من بعض هؤلاء الشباب الذين يعرفون أسرتي، فحدثوني عن المأساة، قالوا لي،
إن الجيش الإسرائيلي، اقتاد جميع الأسرة، الرجال، والنساء، والأطفال مع
بعض الجيران، احتجزهم لبرهة ، ثم أعاد النساء والأطفال، بعد تدخل أحد
الضباط الذي وصل إلى المكان، وأبقى على كل الذكور من عمر 12/13 عاماً إلى
الذي فوق الثمانين، وأمروهم بالاصطفاف على جدار، وقاموا بعملية إعدام
جماعي، أطلقوا الرصاص عليهم جميعاً حتى الموت، ثم جاءت دبابة (جرافة)،
حفرت في الأرض عشرات السنتمترات، وألقت بجثثهم في الحفرة وتمت تغطية
الأجساد بالرمل، ثم بدأت الجرافة تدوس الحفرة، ذهاباً، وإياباً، فوق
جثثهم، قامت بالمرور فوقهم، وبعدها تركوا كل شيء وعادوا، كأن شيئاً لم
يكن، بعد ثلاثة أسابيع عرف أهل الشهداء بالمجزرة، وذهبوا إلى المكان الذي
وقعت فيه، فوجدوا، الجثث، (مهروسة معجونة ) ببعضها، ولا يزال أكبر قبر
جماعي لأسرة، هو قبر أسرتي في رفح. عرفت المصير المفجع، وعندما سمع الأخوة
جاءوا للعزاء، جاء أبو عمار وأبو جهاد والأخوة، ولكن لم يدفعني هذا المصير
اللا إنساني لأهلي أن أبطش بالمدنيين، ولم أعطي قراراً، ولا أمراً بذلك،
ولا مارست قتل أي مدني. و عندما كنت أُحاكَم أمام ما يطلق عليها 'محكمة
العدل العليا' في القدس ( 1983 ، 1984 ، 1985 ) و هي تنظر في قضية
إبعادي و طردي عن أرضنا الفلسطينية، قام أحد المدعين واتهمني بقتل
المدنيين العزل، وأنني مُخَرِّب و إرهابي، قلت له: إِءْتني بحالة واحدة
مما تدعيّ به، ولم يستطع أن يأتي بأية حالة. لم أقتل أي مدني، ولم يكن لي
دور في إصدار أمر بقتل أي مدني، يومها قال مدعي 'الدولة' أمام المحكمة ..
قضاة و محامين و جمهور .. 'هذا عدو الكاكي' و في موقع آخر من 'المحكمة
المسرحية' قال:لقد ناقشنا خطورته على امن 'الدولة' قبل الإفراج عنه عام
1982، في الداخل أم في الخارج؟/ و أفرجنا عنه هنا، أخيراً وجدنا أنه اخطر
]فرد-شخص[ على أمن 'الدولة' .. منذ قيامها، لهذا نطلب طرده من البلاد
حفاظاً على الجمهور 'الإسرائيلي'.
في
الحركة ناقشنا هذه المسألة، وقلت رأيي بوضوح، الحركة فوق الجراح الخاصة
حتى عندما يقتل أقرب الناس إليك، أو من عائلتك، الهدف الوطني فوق الفرد،
إن لم نكن جزءاً من الهدف العام ، لا نستطيع أن نكون إطلاقاً بديلاً عنه ،
وفي الاونة الاخيرة فإن الحصانة للمدنيين لا يمكن أن تشمل المستوطن ..
فالمستوطن جزء من قضية الاحتلال .. والقضاء على الاحتلال هوا البند الاول
للتحرر منه . حتى إعتقالي لم يكن هناك مستوطن واحد في الضفة الغربية أو
قطاع غزة ، وإلا لمارست ذات الممارسة التي كنت أمارسها ضد جيش الاحتلال
..، المستوطنين .
(32)
الآن
وصلنا إلى دور الجماهير، أين دور الجماهير؟ عدنا إلى الذاكرة والتاريخ،
إلى صراع الجماهير العربية ضد الأحلاف وسياسة الأحلاف، مثل حلف بغداد وما
شابه، عاد التاريخ الينا بصورة، إبنة مخيم عقبة جبر(رجاء حسن أبو عماشه)
وهي على رأس مظاهرة، في القدس تهتف بسقوط هذا الحلف، عندما جاء الجنرال
(تمبلر) رئيس الأركان المشتركة البريطانية، لزيارة عمان/ الأردن، لفرض
انضمامه إلى حلف بغداد، بعد تأليف هزاع المجالي لوزارته و قبوله في خطاب
التكليف الوزاري لهذا الإنضمام، و لكن هبة الجماهير في شرق و غرب النهر قد
أسقطت حكومة هزاع المجالي و أسقطت الحاق الأردن إلى حلف بغداد و إلى غير
رجعة، وشاركت كل القوى و الفعاليات السياسية في هذه المظاهرات، اللهم إلا
' جماعة الإخوان المسلمين' ، التي شاركت قوات البادية في إطلاق النار على
المتظاهرين، و كانت أياديهم ( طبعاً ) متوضأة (!!!) بدماء المناضلات و
المناضلين الوطنيين، الذين سقطوا شهداء ورحلوا إلى ملكوت السموات ..
تَلْعَن ارواحهم أُولئك القتلة وسادتهم فهل يعود التاريخ القهقري
بالجماهير؟ وما هو دور الجماهير في المرحلة القادمة؟. بعد أن عاد التاريخ
بِ ' جماعة الإخوان المسلمين' و أعادهم إلى حضيضهم الدموي بعد الإنقلاب
على الشرعية الفلسطينية (14/6/2007) – ( الشرعية الدستورية ، النضالية ،
التاريخية والثورية ) - .
هذه
الجماهير التي هبت بالأمس، ترفض تنحي جمال عبد الناصر، وخرجت بالملايين،
ودون أن تتلقى أوامرها من أحد، لتعيد عبد الناصر إلى مقود القيادة . كان
دافعها شعورها ووعيها بالمسؤولية الوطنية، القومية العليا، شعوراً أن
دورها أمانة تاريخية، عليها أن تقوم به و تؤديه، في المنعطفات التاريخية،
حيث دائماً تنطلق هذه القوى، حافظة وحاملة القيم العليا، وتتقدم الصفوف
إنها القيادات الحقيقية، كنا نلمس بأن هناك تعاطفاً معنا من الجماهير
العربية، ولكن النظام العربي الرسمي لم يكن يستطيع أن يفكر بانطلاقة سريعة
جديدة عسكرية للشعب الفلسطيني. تقودها 'فتح' أو غير 'فتح'، ناقشنا
باستفاضة، أين مصلحتنا؟
(33)
حتى
قيادات حزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم في سوريا، وما كان يطلق عليه
الجناح القطري والذي يقوده (الدكاترة الثلاثة)، نور الدين الأتاسي، يوسف
زعين، إبراهيم ماخوس، والأمين العام المساعد صلاح جديد، ما هو دورهم؟. و
هؤلاء من خيار المناضلين العرب، و لكن لعنة الله على الظروف القاهرة، و
عدم القدرة على المعالجة الثورية العلمية لما يستجد من معطيات وظروف
معاندة للمقدرات المتوفرة باليد ..، نحن وإياهم ثوار و لا بد ان نتفهم
مواقف بعضنا البعض و أدوار بعضنا البعض، و لا نقسوا في أفكارنا بعيداً عن
الواقع و الوقائع – ضد بعضنا البعض .
لقد
سمحوا لنا في مرحلة سابقة أن نتواجد في 'معسكر الهامة' و قدموا لنا خدمات
لوجستية كثيرة ضمن قراءة قومية وقطرية لما يدور، فالدولة السورية لها
متطلبات وتداعيات، و لحزب البعث متطلبات و تداعيات و منطلقات و شعارات و
أهداف.. هذا من جانب و لحركة 'فتح' كذلك أوضاعها القطرية والقومية ، فما
دام القرار القومي المستقل ليس قائماً، فلا يستطيع أحد أن يدعي الصوابية
الحصرية في منهجه القطري السياسي ( و - أو ) الإجتماعي ...،. وبالمناسبة،
وحتى لا يذهب الجيل الجديد بعيداً في كلمة 'معسكر الهامة'، هذا المعسكر
الذي لم تكن تزيد مساحته عن 2 دونم، و به ثلاثة غرف، اثنتان متصلتان،
وغرفة أخرى صغيرة.
هذا
الموقع كان هو العنوان، والمعنى، وليست المساحة، كان عنواناً لحركة 'فتح'،
للكفاح المسلح، الذي أوجد معادلة خروج المارد من قمقمه، وإذا ما انطلق
المارد من القمقم، كما تقول كل الأساطير، لا يعود، لا توجد قوة في الأرض
تستطيع أن تعيده إلى قمقمه، وماردنا انطلق عام 1958، و عبَّر عن انطلاقته/
عملياً في بيان 1/1/1965، خرج من مرحلة الأسطورة إلى واقع الحقيقة و حقيقة
الواقع كل هذا بناءً على قرار القيادة الفلسطينية في صيف سنة 1964 ، قرار
'قيادة حركة فتح' .. أن يرى ' الكفاح المسلح' النور على أرض فلسطين
المحتلة.
ولكن
الآن في ظروفنا الحالية، ما العمل؟ تلفتنا حولنا نرى، من معنا؟ أم
سَنَنْشد يا وحدنا؟ هل نبدأ ونتقدم، ومن ثم تكون معنا هذه الأمة الحية ..
أمتنا العربية، وتلحق بنا؟ ... و ها هو العرض المسرحي يتكرر داخل إطار
حركة 'فتح' القيادي، بعد 3 سنوات .. هل ننطلق..؟، كيف؟، متى..؟، أين..؟،
هذه الأسئلة التي تنتظر الإجابة .. وكل جواب سيكتب بالدماء المتدفقة من
أوردة و شرايين شباب فلسطين و شباب الأمة العربية و شباب أحرار و شرفاء و
ثوار العالم.
(34)
أجمع
القوم أننا نحن رأس الحربة لهذه الأمة، وسنتقدم الصفوف إلى أن تأتي، نعم
يجب أن نتقدم، أن نشرع الشراع، ونقلع، ولنبحر عباب اليَم، إن المناضل الذي
يفقد روح التفاؤل، أو يفقد الوجه الآخر، من حقيقة الثائر، روح المغامرة،
يفقد حقه في الوجود الثوري، وبالتالي يفقد ديمومته النضالية الثورية،
سنمضي إلى الضفة الفلسطينية ، وسنتواصل مع قطاع غزة، مهما كلفنا الأمر،
ولتكن الثورة على أرضنا، ولنبن الصيغة الملائمة لنا من القواعد
الإرتكازية، القاعدة التي في مقدور المناضل أن يدافع عنها، دون سقوطها بلا
ثمن، و لنستحدث تعريف و مفهوم جديد للقاعدة الإرتكازية، ليكن قوامها فدائي
أو أكثر، لديهم السلاح القادر على إيقاع أكبر قدر من الخسائر في صفوف
العدو، و الجزم (ما أمكن) بعودته سالماً إلى موقع إنطلاقه.
كنا
نعي القوى من حولنا، والظروف العربية، ونعرف أنه لن يروق للأنظمة العربية
حتى المؤيدة لنا، كنظام حزب البعث العربي الاشتراكي في سوريا مثلاً ، أن
ننطلق الانطلاقة العسكرية الثانية ..، . متدرعين .. وهي كلمة حق يراد بها
باطل أن النظام العربي الرسمي لم يَسْتَعِد عافيته بعد / من الهزيمة، فهل
يسمح لنا الآن أن ننطلق؟
والظروف
العالمية لم تكن في صالحنا كذلك، الاتحاد السوفيتي ليس ظهيرنا المباشر،
ولا الصين الشعبية هي بوابة صمودنا على الغرار الفيتنامي ، وعلينا أن نحسب
للخنجر الذي سيأتي في الظهر .. ألف حساب وبكل الحذر الممكن .
لكن
بصيص الأمل، أو الفسحة الصغيرة التي تعلقنا بها، جاءت أولاً من مصر،
فالشارع الذي وقف ضد تنحي جمال عبد الناصر، منحنا شيئاً من الطمأنينة، ثم
جاء موقف 'الجزائر – الثورة' ممثلاً بالرئيس الجزائري 'هواري بومَدْيَن'،
ودعمه المطلق للصمود والتصدي ضد العدوان، واستعداده لدفع الملايين لتسليح
الجيش المصري من جديد، ثم الخطوات الايجابية الآتية من أهلنا العرب ..
وجاء صوت شعب العراق ممثلاً بالرئيس عبد الرحمن محمد عارف، هذه الأمور
وغيرها بدأت تعطينا طمأنينة، وظلت مشكلة المشاكل .. من أين سيأتينا
السلاح؟ وتوالت مواقف الامة العربية داعمة ومساندة ومؤيدة لنضالنا الوطني
على أرضنا - كفاحاً مسلحاً - بالعمل الفدائي المباشر .. وهذا ما كان .
(35)
أذكر
مرة كنت قادماً من أراضي منابع النفط الخليجية .. و كان السؤال يدور/ هل
نفط العرب للعرب أم نفط المشيخة للمشيخة؟ و أجبت نفسي أنىّ كان جواب
الشعار القائل ( بترول العرب .. للعرب ) ، فإن اكتشاف النفط في المنطقة و
الحاجة الماسة لهذه السلعة الإستراتيجية لاستمرار عجلة الصناعة بالدوران
قد دفع الدول الاستعمارية إلى التكالب للاستيلاء على منابع النفط .. خاصة
أنه تفجر بكميات ضخمة في المنطقة العربية .. إن هذا قد أثر سلباً على
القضية الفلسطينية، و جعل من المشروع الاستعماري الصهيوني حاجة استعمارية
دائمة / ما دامت الصناعة الغربية بحاجة إلى النفط .. هكذا كانت آثار النفط
على القضية الوطنية الفلسطينية، و هنا لا بد من الإشارة أن الشعوب العربية
الخليجية قد دعمت القضية الفلسطينية الدعم الكبير الذي تستحقه .. لم يتمنى
أي عربي شريف أن تجف أبار البترول عند الأخوة العرب، لقد أصبح النفط وأخذ
شطراً مهماً في الحوار العربي ، وكان السؤال المركزي الذي يدور في أوساط
جماهير الأمة العربية هو :- هل نفط العرب للعرب؟ وكيف سيكون دور النفط في
دعم القضية الفلسطينية؟ .. نتمنى أن يكون هذا الدور إيجابياً كما عهدناه /
و حتى النصر ، فالقضية الفلسطينية قضية العرب المركزية، و مال النفط مال
عربي داعم لكل قضايا العروبة.
النفط سلاح هام من أسلحتنا القومية، وسلاح رئيسي ومركزي، و لن يعود علينا بالسلبية مطلقاً وأبداً ؟
( 36 )
كانت
الهجرة اليهودية في ازدياد إلى فلسطين، إثر إيقاع الهزيمة بالدول العربية
عام 1967، وهناك حالة نزوح كبيرة من الضفة الفلسطينية – إلى شرق الأردن ،
و هذا يزيد من مساحة و'كم' الاختلال الديموغرافي أكثر و أكثر ، فكيف يمكن
لحركة 'فتح' أن تحد من هذه الهجرة الثنائية الجديدة..؟ و تاريخياً إن
الوجود الصهيوني الإستعماري قبل تبلور كيانه ولا يزال يعتمد الإعتماد
الكلي على الهجرة الصهيونية إلى فلسطين .. فهي الأرضية الصلبة
الإستراتيجية الأمنية و العسكرية و الثقافية و الإجتماعية و السياسية و
الأيديلوجية الصهيونية .. المنقولة عن ظهر قلب .. عن التجربة القومية
الاستعمارية الغربية عامة ، والايديلوجيا النازية العنصرية ، العرقية ،
الفوقية خاصة .. لدعم الكيان الصهيوني وجوداً وعدواناً- عنصرياً فاشياً .
كل
ما وضعناه على ' الطاولة ' من أفكار ووجهات نظر قمنا بتشريحه حسب الواقع
الذي نعيشه، وكيف يمكن أن نتصرف في إيقاع ووقائع هذا الواقع، وأي تصور
يمكن أن نرسمه للمرحلة القادمة، هل سيعود الجيش المصري من اليمن بسرعة؟
هل
سيتم الاتفاق بين مصر والسعودية حول مسألة اليمن؟، ماذا سيكون موقف الملك
فيصل بهذا الصدد..؟ .. هل سيكون الموقف العربي الأصيل .. أم الموقف
السياسي الإنتهازي ..؟ .. و ثبت و بسرعة متناهية أن موقفه كان الموقف
العربي المطلوب سياسياً آنذاك .. و ذلك في مؤتمر القمة العربي في الخرطوم،
أواخر / سبتمبر- أيلول/1967.
والأخطر
هل هذه العواصم العربية الكثيرة تشعر بخطر المشروع الاستعماري الصهيوني
عليها وعلينا، والذي هو جزء لا يتجزأ من المشروع الإمبريالي العالمي؟
هل تعي هذه العواصم خطورة المشروع الإمبريالي، على المشروع القومي العربي؟