وصلتني
معلومات، كان لا بد من تسليمها للأخوة في الشمال (علاَّر)، وذهبت، ولم
أجدهم، و تطوع أحد الجيران و أكد أنهم على موعد وصول و جلست في باحة منزل
محاط بسلاسل من الحجارة و احضر الجار الشاب براد شاي صغير على صينية و
كأسين ..، و قال إن غذاء الشباب جاهز و لا بد أن يصلوا سريعاً .. وبالفعل
وَصَلوا .. وَصَلوا و تسلم المعني أمانته .. و تناولت طعام الغداء بمعيتهم
و غادرتهم إلى طولكرم صباح اليوم الثاني في الحافلة .. و نظرات أهلنا من
الفلاحين الفضولية ترقبني وترافقني..، و كنت منذ الأسبوع الأول لشهر/
يوليو-تموز/1967، أقوم بزيارات دورية للأخوة آل شديد/ جورج و سلمان الذي
عُرف فيما بعد بإسم ' سلمان جيشر'
(22)
توجهت
إلى نابلس و قمت بزيارة فجائية لأحد الثوار العرب .. و كنت قد تعرفت عليه
في صحراء السعودية الشمالية الشرقية .. حيث كان يعمل طبيباً في شركة
'الصقر و الخالد'.. القائمة على تعبيد طريق خط التابلاين، و على ما يبدو
انكشف أمره التنظيمي ، فتم نقله على جناح السرعة إلى الرياض و هناك تم
ترحيله خارج البلاد ..، كان حديثنا واضحاً حول حتمية تحرير فلسطين .. و أن
دور الشعب الفلسطيني هو الدور الأساسي و صولاً للعودة لديارنا و بيوتنا، و
بالرغم من منهجه القومي إلا أن مساحة العمل الوطني الفلسطيني كانت واضحة
المعالم و السمات في تفكيره ، و استنتجت أنه حالة مهمة في إطاره التنظيمي
الذي لم يُفصح عنه و لم أحاول أو أجهد في معرفته،هذا الأخ/ هو الدكتور –
حاتم صدِّيق أبو غزالة .. و لقد أفادني إفادة كبيرة في معرفة حقائق
الأشياء في الضفة الغربية، خاصة شمالها، ذهبت إليه في عيادته (شارع
فلسطين) فوق مقهى للعمال ..، بعد أن أجريت مقابلة سريعة مُعَدّة سلفاً
متفقاً على موعد لقاء بعد ساعات وقد حُدد المكان والزمان و أخذت موعداً مع
الأخ/ أبو شريف – تيسير هواش بعد تناولي فنجان قهوة بمعيته .. و كان يدخن
النارجيلة .. و كان منظري الخارجي يوحي بأني أحد العمال ... ،.
التقيت
بالدكتور/ حاتم .. و تعمدت أن اكون آخر زبون يدخل غرفة الكشف ..، و هناك
كان الحديث الصريح و عرفت انتماءه التنظيمي 'حركة الثوريين العرب' .. و
وجدته متتبعاً و متفهماً دور حركة 'فتح' .. و بأن ممارسة شعبنا لدوره في
حمل راية قضيته .. هي نتيجة حتمية و ضرورة غير قابلة للتأجيل أو التسويف
.. تحدثنا طويلاً حول هذا الأمر .. و أكد لي أن وضعهم التنظيمي في المنطقة
هو وضع مقبول .. و أبدى أمله أن يكون بيننا لقاء ميداني في المستقبل .. و
هذا ما كان فيما بعد، و سألني كيف أتحرك .. فأجبته ببطاقة ما أنزل بها من
سلطان .. فقام و أتى برخصة سواقته .. و قام باستعمال الكلور على الإسم
المكتوب بالحبر العادي ، ..، و قام بفك الدبوس العلوي و السفلي عن الصورة
.. و وضع صورتي مكان صورته بعد قصها على مقاس صورته و قام بتدبيسها و بعد
أن جف الكلور .. قام بكتابة الإسم الجديد ..، ( تقريباً ) بنفس الحبر
السابق و هكذا أصبحت أصول و أجول في عموم الضفة ما دام ختم التاج الهاشمي
موجود و كذا صورتي الممهورة بالختم المزور .. الذي مر عليها قلم الكوبياء/
بعد بلهِ بالريق.
(23)
لقد
وفرت لي هذه البطاقة 'الرخصة' الكثير من الوقت .. حيث أتاحت لي حرية
الحركة و التنقل بالسيارات ..، و كنت أستطيع الوصول من الخليل إلى نابلس و
العودة في نفس اليوم، هكذا عندما تتعاضد الجهود فإن النتائج تكون مُزجية و
عظيمة .. تُوفِر الجهد و المال و الدماء .. و هنا فإن كل النتائج ..
ستتجمع في محصلة فعل قوية ضد العدو.
لقد
تجولت في الضفة الغربية طولأ و عرضاً و تعرفت على الكثير الكثير مما كنت
أجهل .. وهذه إحدى ماّسي شعبنا الناجمة عن تشتيته و توزيعه بين الضفة و
القطاع و (1948) و الشتات ..، حيث و قد/ أصبحنا شباباً و طلائع فعاليات
نضالية ميدانية/ فلم تكن أغلبيتنا الساحقة تعرف عن الواقع الجغرافي الآخر
من فلسطين شيئاً يذكر ..، هذه حقيقة واجهتها بعد حرب 1967، كنت قد قاربت
إنجاز مهمتي الاستطلاعية و بدأت قاعدة 'وادي القف' بالقرب من ترقوميا ..
تفقس .. و زاد عدد المتدربين و تخرج منهم بالعشرات، و قمت بإرسال عدد آخر
للتدريب عبر الأردن إلى سوريا (معسكر الهامة) من جميع أنحاء منطقتي الخليل
و بيت لحم،و تدربوا على أمور تدريبية لم يكن بإستطاعتنا التدريب عليها ولم
تكن امكانياتنا تسمح بها .
(24)
غريب
أمر هذه الدنيا .. كم تساءلت حول أوضاعنا .. نواجه هذا العدو المركزي بكل
ما يملك من أدوات و مصادر قوة، و بالأمس القريب نجح على الأرض بحسم
المعركة ميدانياً / بالأسلحة المتنوعة .. سلاح الجو، سلاح البر، سلاح
البحرية، سلاح الأمن و الأهم سلاح وحدة الأداء السياسي ..، و لكن كل ما
سبق ما كان ليكون لولا .. النداء الصادر لجيش الإحتياط الذي وضع الحد
الأخير للحرب ..، جميع الفئات العمرية و 'الجِنْدَر من المرأة و الرجل'
جميعهم يتحملون مسؤولية الإغتصاب لحقنا الوطني و التاريخي و الحضاري / ..
و نحن بالمقابل مع الأسف الشديد .. معظم شبابنا .. إن لم يكن كلهم ..
كانوا يتعاملون مع الرشاش لأول مرة .. و كم رأيت من إحتضن الرشاش و تفجرت
دموعه .. و تغيرت ملامح وجهه و نظراته و قسماته، و تحدث السياسة بلغة
سريالية .. جميلة و رائعة و لا يمكن إعادة حروفها و كلماتها و لو بعد (40
عاماً) ..، قمت بجولتي الأخيرة .. و توجهت إلى بعض من أفراد أسرتي ممن
توجهوا بعد نكبة (1948)، و سكنوا في قرية عورتا ( محافظة نابلس ) ..،
استمعت إلى خطاب القائد الخالد/ جمال عبد الناصر ليلة ]26/يوليو - تموز/
1967[، و عرفت مغزى قوله .. 'إن ما أُخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة'، و
تذكرت كتاب ( الاستاذ / نقولا الدر ) 'هكذا ضاعت و هكذا تعود'، هذا و ذاك
وغيره هو دستور حركة فتح المكتوب بالدماء و المعاناة و المسطور بالصدور،
قبل أن ينطقها 'عبد الناصر' و قبل أن يكتبها 'الدر'. و قضيت ليلتي بطرفهم
.. و في الصباح الباكر .. توجهت إلى مدينة نابلس.
(25)
وصلت
مجمع السيارات، وكان هناك من ينادي على الذاهبين للجسر، فركبت، متوجهاً
إلى الجسر، لم تكن الإجراءات الأمنية دقيقة، توقع ورقة باسمك، أو أي اسم،
وتخرج بعد ختمها، ولقد وقعت باسم (حسن علي حسن الجارودي)، وشاهدوا رخصة
السواقة ، الأختام متوفرة عليها، وعبرت الجسر إلى الجانب الأردني، وصلت
إلى عمان، ومباشرة انتقلت بالسيارة إلى نفس البيت الذي كنت فيه قرب مطعم
مكسيم. طبعاً كان علي الذهاب سريعاً إلى الشام، فرتب لي الشباب الأمر،
الأخ نزيه حجازي سيرافقني، ويدلني على الطريق، حتى إربد و هناك أعرف كيف
أتدبر أمري، وصلنا الزرقاء، فأوقفنا الجنود الأردنيون، كانوا يأخذون
الشباب مَنْ هم في سن التجنيد .. لتجنيدهم/ بعد الحرب، فأنزلوا نزيه من
الحافلة، وبقيت انتظر، ثم نزلت و تحدث مع الضباط المسؤولين و أفادوني لا
يمكن إخراجه .. و سيذهب إلى الجيش، زودني بهواتف أهله و اتصلت بهم، وجاء
ضابط (من الخليل كما أذكر)، فأخرجه، وعدنا نكمل طريقنا في اتجاه إربد، بعد
أن ضاع اليوم، وصلنا اربد، هناك كان لي أخ/ منذ كنت أعمل في السعودية اسمه
(عاهد فريد ست أبوها)، وصلنا إربد مساءً، و فوجئ بي أطرق باب منزله، و
تحدثنا طويلاً .. مع أخوة آخرين و كان منظماً و لكنه من أهدأ الشباب، و
أكد لي أنه لا يمكن عبور الحدود سيراً على الأقدام نهاراً .. لا بد أن يتم
ذلك بعد الغروب.. أوصلني الأخوة قبل الغروب إلى الرمثا، و هناك استقبلني
شاب شاهدته نفس اليوم في منزل الأخ/ عاهد و كان من سكان الرمثا ..، و عند
اقتراب المغرب خرجنا للقَصْدَرَة .. مجموعة من الشباب و بعد الغروب تركتهم
و عبرت الحدود، و توجهت على الطريق المعبد 'درعا– الرمثا' إلى المخفر
السوري كما شرح لي الأخ/ عاهد الذي رتب عودتي، أجرى المخفر اتصالاً
هاتفياً، حضر الأخ حسين أبو العلا بسيارة الجيب، فركبنا، و أخبرني أن
الأخوة: أبو عمار و أبو جهاد ينتظرونني في الشام .. وأضاف .. يمكن عند
الأخ / أبو علي إياد .
(26)
وصلت
إلى المكان الذي سبق تحديده للأخ/ أبو العلا و تم اللقاء الترحيبي السريع
و إنتقل 'الركب' –فوراً– (سيارة الفولكس واجن-المُمَوَهة) برفقة الأخوين/
أبو عمار– و أبو جهاد إلى سكن الأخ/ أبو علي إياد مقابل معسكر الهامة..،
حيث قدمت التقرير المفصل منذ خروجي من 'معسكر الهامة' حتى لحظات اللقاء، و
دار نقاش صريح تسلل إلى تفاصيل التفاصيل إمتد حتى ساعة متأخرة من الليل،
على عكس عادة الأخ/ أبو جهاد ]النوم المبكر و الإستيقاظ المبكر جداً[، و
فهمت من مسارات النقاش و الأسئلة المطروحة منهم .. أن هناك وراء الأكمة ما
وراءها .. و أن ثمة قرارات خطيرة يتم إتخاذها، أو اتخذت و سيتم تنفيذها.
وأتفق على اللقاء غداً صباحاً في نفس المكان، كانت الجلسة الصباحية
تفصيلية .. استفسارات موغلة بالتفصيل .. و توقفت أمام بعض القضايا مما لم
تخطر على بالي، بينما كنت أستطلع ميدانياً، (سين .. جيم). لم تحدث ربما من
قبل، و تحدثت بإجابات مفصلة وعلى جميع الأصعدة، أنقل صورة عن الناحية
النفسية لأهلنا بعد الإحتلال، ثم ندخل في تفاصيل دقيقة عن القرى، دورا،
الرهوة، خرب دورا، الظاهرية، الريحانية، رجم المدفع، المَـسافر ، جبال
البحرة ، بدو البحر الميت، بيت لحم، الدهيشه، مواقع الجيش الأردني،
المخازن و مواقعها، ماذا بقي فيها؟.
قدمت
تقريراً، شاملاً، مفصلاً، دقيقاً، استمرت النقاشات من الساعة الثامنة
صباحاً، وحتى الثانية ظهراً، إعتذرت عن الغداء .. لأن لي غذاء في جوبر
بطرف (الأخ/ عبد الله عماره).
(27)
و
جلسنا للحديث السياسي قبل و بعد الغداء مع مجموعة من الشباب الوطني القومي
.. نتجاذب أطراف الحديث، و ما يدور، تنحي عبد الناصر، محاولة سليم حاطوم
الفاشلة و إعدامه، الإحتلال و آثاره و مضاعفاته و تداعياته على المرحلة
الراهنة و القادمة .. ناقشنا همومنا و آمالنا و طموحاتنا .. ناقشنا
الجنرال 'دَيَـان' الذي جلس ينتظر عبد الناصر مستسلماً على الطرف الآخر من
الهاتف .. فكان الرد - معركة رأس العش - الرد جاء من 'صاعقة' الجيش
المصري، و تحدثنا مطولاً حول دور 'فتح' في رفض نتائج الهزيمة .. بعد
إحتلال كامل التراب الفلسطيني و كيف ستتم ترجمة و تجسيد ما جاء من
اجتماعات ما بعد الحرب ( 11و12/يونيو - حزيران / 1967 ) ، حيث لا بد من
التعامل مع أسوأ الظروف القادمة ، للوصول الى نتائج مقبولة .
خرج
الجميع و نلت قسطاً من الراحة بالنوم العميق ..، ونمت تلك الليلة عند الأخ
أحمد كلش (أحمد الوحش) وهو فدائي ابن فدائي ، في منطقة 'جوبر'، في ساحة
البرلمان كما أذكر، وكان الشباب من الجيران، أصدقاء ومناضلين، عبد الله
عمارة، ومحمد علي عمارة و غيرهما معنا في السهرة أيضاً، المهم استضافني
(أحمد الوحش) وكنا وحدنا في البيت، فلم تكن عائلته موجودة، وبالتالي طلبت
منه دفتر وكتبت انطباعاتي، قبل النوم كانت في حدود العشرين صفحة من حجم
دفاتر المدارس العادي واستعنت بها في اليوم الثاني، في الحديث مع الإخوة/
أبو عمار و أبو جهاد و أبو علي إياد، و كان اللقاء في سكن الثالث _
المقابل لمعسكر 'الهامة' على الجهة الأخرى من شارع الشام - بيروت وطلب مني
أبو جهاد أن أترك له الدفتر، فتركته له.
كان
الأخ أبو عمار يسجل ملاحظاته، وكذلك الأخ أبو جهاد، و أما الأخ/ أبو علي
إياد فكان مصغياً بشدة مستعيداً بعض الكلمات أو الجمل نظراً لضعف سمعه
بعد الإنفجار الذي حدث في ]فبراير- شباط /1967[ و أودى بحياة شابين من
أنبل ما عرفت فتح الأخ الشهيد/ أحمد الأطرش و الأخ الشهيد/ منهل شديد
وكانت أسئلة لا تحصى، كما طلبوا مني أن أظل قريباً فقد يحتاجون للاستعانة
بي في بعض المعلومات، أو النقاط، في الظهر خرجنا معاً، و بقي الأخ/ أبو
علي إياد في سكنه، و تركتهما بعد أن وصلت الى مكان يمكنني الذهاب منه إلى
'جوبر' والتقيت بعد عودتي إلى 'جوبر' بالأخ/ أنيس عبد الخطيب، وكان معنا
هو الآخر فترة من فترات العمل بالسعودية، وأتى لينظمني هناك في 'فتح'،
وكنت مُنظما، ولم أخبره، ولاكتشافه فيما بعد أني منظم قصة لوحدها و هذا
الإنسان الفلسطيني، شاب من أجمل من تعرفت عليهم في حياتي .. عندما تقابلنا
تلك الأيام الخوالي في مدينة 'القطيف' على ضفاف الخليج العربي اللازوردي
المياه، كان و لا يزال كتلة من الحيوية و النشاط و الذكاء، من ذات بيئتنا
الفقيرة المناضلة، ( شريك الغُرم و يعف عند المغنم ) عندما إلتقيته تلك
المرة في 'جوبر' و معه شقيقة (الأصغر منه).. ضحك ضحكته المجلجلة .. هازاً
رأسه و إلتمعت عيناه .. و كأنني أرى عينيه لأول مرة و صافحني بحرارة و
شدني إلى صدره .. و هو يجلجل بضحكته .. كان في فمه الكثير من الكلام ..و
لم يتحدث عما يدور بخلده ..، إطمأن عن رحلتي ..، و سأل أسئلة من هنا و
هناك .. و بعد أن إستقر بنا المطاف نوعاً ما سألني عما أتوقعه .. و أجبته
بوجهة نظري .. أن الإحتلال هذه المرة سيطول .. لأن معطيات معادلته تختلف
عما كان عليه عام (1956) 'حرب السويس' و تحدثنا مطولاً حول ذلك. لأن
اميركا لا تريد ان ترث هذه المرة إمبراطوريات عفا عليها الزمن بل تريد
تطويب المنطقة رسمياً وفعلياً وعملياً بإسمها الشخصي ، من هنا فعودة جيش
الاحتلال إلى ما وراء خطوط الهدنة ليس هو المطلوب . ولا زال الأمر على
حاله .
(28)
في
المساء عدت وجلست مع الأخ أبو عمار، والأخ أبو جهاد و الأخ/ أبو علي إياد،
الأخ/ مجدي مسئول الأمن، وكان في موقع قيادي متقدم ومجموعة من الأخوة، لم
أكن أعرفهم وكذلك هم أيضاً، ولكننا كنا نثق في بعضنا البعض ، وهذا جزء من
عظمة فتح، سُـئِـلت أسئلة كثيرة من الجميع وكان السؤال المركزي الأهم الذي
طرح علي:
لو فوضتك القيادة في اتخاذ قرار، هل نتواجد في الداخل أم لا؟ ما الإجابة؟
أجبتهم
إجابة مطولة، أذكر منها الأهم، قلت: نعم، يجب أن نتواجد، نحن لم ننهزم،
ونحن رأس الحربة للأمة، وإلى أن تستعيد الأمة ترتيب نفسها، وتستعيد
عافيتها وقوتها ، وإلى أن يتم استعادة تسليح الجيوش العربية، فعلينا أن
نتواجد، ولو (إشغال) لهذا العدو. هذا أولاً/ و ثانياً من الناحية النفسية
التي يروجها الإعلام الإسرائيلي في مقولته المقيتة والتي أصبح لها تأثير
سلبي في الوطن العربي والرأي العام العالمي، ألا وهي إن ' جيش الدفاع
الإسرائيلي ' قوة لا تقهر الذي لا يقهر، ولا يُهزم، علينا أن نثبت للعالم
أجمع .. أن نتائج حرب 1967 ليست نهاية المطاف و لن تكون و أن الصراع
'العربي- الصهيوني' .. هو صراع مفتوح رحاه على مصراعيه لكل الإحتمالات ..
و ما تم ما هي الا هزيمة و لكنها جزء من صراع تاريخي ..، و حتمية التاريخ
تؤكد أن النصر حليف القضية العادلة الذي يقاتل شعبها و أمتها دونها ..
مهما كانت ظروف و معطيات القتال .. المهم ألا نتوقف .. لأن معنى توقفنا
بحد ذاته هو الهزيمة/ و لكن لا هزيمة في ظل ديمومة نضالية مقاتلة ميدانية
على الأرض، و أن تواجدنا الحتمي على الأرض يجب أن يخضع للقراءة المتأنية و
للدراسة التفصيلية.. لكي يكون ونكون جزءاً لا يتجزأ من عملية التطور
الدائم .. و التعامل مع المعطيات وصولا للنتائج لأجل تغيير ، المنطلقات
اللحظية ، هنا لا بد من التفاعل مع المرونة التكتيكية لتصب نتائجها
وتداعياتها في تغذية وتغذية راجعة لتصليب الإستراتيجية الوطنية الثورية،
النابعة من الثوابت المبدئية .. التي تستظل وتستقي قوتها من الشرعية
التاريخية 'فلسطين للفلسطينيين '. إذن علينا أن نستمر .. فنحن كمن يركب
الدراجة العادية .. اذا توقف عن الدوس ، فلن تسير الدراجة أولاً وسيسقط
ثانياً .
(29)
علينا
إذن التواجد، كنت متأثراً بقراءاتي لحركات التحرر الوطني العالمية، وأعتقد
أن إطلاعي عليها آنذاك كان مقبولاً، وقد أفادني في تجربتي في دورية
الإستطلاع الطويلة الزمن في الضفة الغربية ودورية القيادة و أفادتني تلك
القراءات في السجن كثيراً، فتحدثت لهم ( في الاجتماع ) عن القواعد
الارتكازية، والتي تحتاج إلى ظروف طبيعية لحمايتها، وقلت لهم رأيي،
فالظروف الطبيعية في الضفة الغربية تختلف تماماً عن جغرافيا الثورات
الأخرى، والقاعدة الارتكازية لنا هناك هي الإنسان، لا أماكن التواجد
الجغرافي، ولا بد من العمل السري للعضو الحركي المنظم ، المدرب، الموجود
سلاحه تحت يده، وأن يستخدمه فقط عند الحاجة وفي الوقت المناسب ثم يُخبأه
بعد انتهاء العمل المباشر سواء من الخلايا النشطة أو الخلايا النائمة
صاحبة الهدف المتجدد. ولا بد أن تكون هذه المجموعات، أو (القوة الضاربة)
قليلة العدد. وأن لا يكون أية تراتبية هيكلية غير التنظيم (الخيطي) الذي
درسناه في التجربة الصينية، والفيتنامية و الجزائرية، وكذلك اطلاعنا على
التجربة الكينية في (الماوماو) وإن كانت محصورة داخل القبيلة، فقد اعتمدت
في اتصالاتها على (الخيطية).
.