مليون طفل مصري يتم إستغلالهم في الدعارة والتسول والسياحة الجنسية
في أول خطوة من نوعها في الشرق الأوسط، إنتهت مصر من إعداد أول خطة وطنية لمناهضة الإتجار بالأطفال، وسط توقعات بتنامي الظاهرة في مصر والعالم خلال الفترة المقبلة بسبب الأزمة المالية الاقتصادية العالمية. وقال الخبراء في حديثهم إلى "إيلاف" إنهم يتوقعون المزيد من الانتشار والتزايد للظاهرة ليس في الدول النامية فقط بل الدول المتقدمة مشيرين الى ان تأثر اقتصاد الدول المتقدمة بالأزمة العالمية في ظل التشابك بين الاقتصاديات الدولية المختلفة ، ينذر بارتفاع ضحايا الاتجار بالأطفال سنويا الى مستويات خطرة .
وقد شهدت مصر في الآونة الأخيرة حوادث عدة لخطف الأطفال في محافظات مختلفة ، وقد ألقت السلطات القبض قبل أسبوع على شبكة في محافظة في وسط الدلتا تقوم بخطف الأطفال والتجارة فيهم ، كما يحاكم فى الوقت الحالي عدد من المصريين والأميركيين بتهم تسفير أطفال الى خارج البلاد وبيعهم لمن يرغب في التبني .
وتهدف الخطة التي أعلنتها السيدة مشيرة خطاب وزيرة الأسرة والسكان والتي شارك في إعدادها عدد من الوزارات المعنية والمنظمات الدولية والجمعيات الأهلية، إلى منع الاتجار في الأطفال على المستوى الوطني والإقليمي والدولي عبر الارتكاز على ثلاثة محاور هي الوقاية لمنع وسد منابع هذه التجارة، وحماية الطفل من الاستغلال والإساءة وتقديم الخدمات اللازمة له وكفالة حقوق واحتياجات الأطفال ضحايا الاتجار باعتبارهم ضحايا، وإنفاذ تعديلات قانون الطفل للملاحقة الجنائية، مشيرة إلى أن الخطة تركز أيضا على أهمية أن تمتد الحقوق لمختلف فئات الأطفال مثل الخارجين عن منظومة التعليم الرسمي، وأطفال الشوارع والمناطق المهمشة.
يوجد في مصر بحسب تقرير وزارة الخارجية الأميركية مليون طفل مصري يتم استغلالهم في الدعارة والتسول والسياحة الجنسية. وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها الدولة للقضاء على المشكلة إلا ان التقرير وضع مصر في الفئة الثانية التي تتعلق بالدول التي لا تمتثل كليا للحد الأدنى من معايير قانون حماية ضحايا المتاجرة، بعكس الفئة الثالثة التي تعد الأسوأ. وأوضح ان مصر مازالت تعد مصدرا ووسيطا ومقصدا للاتجار بالنساء والأطفال لغرض العمالة الإجبارية والاستغلال الجنسي ، مشيرا الى أثرياء الخليج الذين يسافرون إلى مصر بهدف عقد زيجات موقتة مع فتيات دون سن الثامنة عشرة .
وتزداد الظاهرة أكثر عمقا ب 2،7 مليون طفل في مصر بحسب الإحصاءات الرسمية ، وأكثر من 5،5 ملايين طفل من الجنسين بحسب الدراسات والإحصاءات غير الرسمية يعملون في مهن شتى. ويعمل هؤلاء في ظروف قاسية أكثر من 9 ساعات يوميا في المتوسط وأكثر من ستة أيام أسبوعيا وهو ما يتجاوز أوقات العمل التي يقضيها الكبار و كما يعملون بصورة غير رسمية ومن دون بطاقات عمل أو شهادات صحية ما يعني أنهم لا يتمتعون بأي حماية قانونية ، وتؤكد دراسات ان حوالي الثلث " يعانون من المعاملة السيئة والعديد من أشكال العنف التي يلقونها من أرباب العمل والمشرفين عليهم. كما تتعرض حياة اكبر نسبة من الأطفال العاملين فى القطاع الزراعي للخطر من خلال نقلهم في عربات غير امنة "أطفال التراحيل " وتسجل دفاتر الحوادث العشرات من الحوادث التي راح ضحيتها المئات من الأطفال أثناء نقلهم إلى أماكن العمل.
وقد انتبهت الدولة للظاهرة وسعت الى مواجهتها بطرق جدية، وأجرت تعديلات على قانون الطفل تم إقرارها بالقانون المعدل رقم 126 لسنة 2008 ، كفلت الإطار التشريعي لحماية الأطفال من هذه الجريمة عبر وضع توصيف وعقوبة صارمة لها من خلال المادة التي تم نقلها إلى قانون العقوبات برقم 291 والتي تجرم الاتجار بكافة صوره . وبحسب الوزيرة فقد تضمنت التعديلات رفع سن عمل الأطفال إلى 15 عاما، وقدمت رؤية جديدة تنص على أن الأصل هو حظر عمل الأطفال وأن العمل هو الاستثناء، فضلا عن رفع الحد الأدنى لتوثيق الزواج للفتاة إلى 18 سنة، وحق الأم في تسجيل وليدها واستخراج شهادة ميلاد له.
لكن يرى المراقبون ان القانون بحاجة الى إعادة مراجعة ، حيث أكد هاني هلال رئيس المجلس المصري لحقوق الطفل ان "القانون يعد من انضج التشريعات المصرية التي تتساوى مع المواثيق الدولية ،وعلى الرغم من انه عالج الكثير من الإشكاليات المرتبطة بعمالة الأطفال ، الا انه لم يوفر مظلة الحماية لقطاع كبير من الأطفال وتقيد بالقطاعات التي تناولها قانون العمل ، فلم ينظم عمالة الأطفال في القطاع الريفي والزراعة ولم يرد نص قانوني خاص بخدم المنازل او العاملين لدى ذويهم". ويضيف : "ان القانون ايضا يتعارض مع قانون العمل والتأمينات والنقابة ، فالأطفال في سن 14 لا يمكنهم الالتحاق بالنقابات قبل سن 15 عاما ولا يمكنهم الاستمتاع بالتأمينات قبل سن 18 عاما ، كما انه يتعارض مع اتفاقية العمل الدولية عام 1973 التي ترفع سن الحد الأدنى لتشغيل الأطفال الى 16 عاما".
وقال الدكتور عبد المطلب عبد الحميد رئيس قسم الاقتصاد في أكاديمية السادات للعلوم الإدارية ان القوانين لمكافحة الظاهرة غير كافية مشيرا الى ان القضية تحتاج الى قوانين عميقة ورادعة تواجه او على الأقل تقلل من المشكلة. وشدد على ان تلعب الدولة دورا اكثر فاعلية كمنظم ومتابع ومراقب وتفتح فرص عمل وتقوم بإصلاح السوق واثنى على إصلاح السوق الحرة كوسيلة للخروج من هذه المشكلة . ويرى الدكتور عبد المطلب ان الأزمة المالية العالمية في ظل التشابك بين الاقتصاد المختلفة تعزز من الاتجار بالاطفال ومدى تأثيرها يتوقف على ما يتم اتخاذه من الإجراءات التي تحد من مستوى الفقر وعمالة الأطفال. وتوقع عبد المطلب ان تنمو الظاهرة بشكل خطر مع استمرار الأزمة المالية العالمية.
وقالت الدكتورة نهال فهمى خبير اقليمي في الاتجار بالبشر ان الظاهرة وجدت طريقها الى الدول المتقدمة ولم تعد قاصرة على دول إفريقيا والدول النامية لدرجة يستحق ان يطلق عليها "عبودية العصر الحديث"، مضيفة ان النساء والأطفال الأكثر تأثيرا حيث تؤكد التقديرات ان 56 % من المضارين أطفالا ونساء وأكدت ان الظاهرة مشكلة عالمية متفاقمة لأسباب شتى منها الحروب والنزاعات العرقية وزيادة معدلات الفقر. وقالت ان أطفال الشوارع والمهاجرين بطرق غير شرعية الأكثر عرضة للمخاطر المحتملة للاتجار. وشددت على ضرورة دراسة الحالة المجتمعية فى مصر وتحديد الأنماط السائدة في المجتمع المصري.