[size=18] أوباما والسياسية الأميركية الجديدة في المنطقة[/size]
بقلم : طلال أبو ركبة
من الثابت والمعلوم لكل باحث ودارس ومراقب للحالة السياسية الثابتة بقواعدها وقوانينها، والمتحركة بتكتيكاتها ومواقعها ومواقفها الدبلوماسية المتغيرة، وفق الظروف والتحولات الدولية والإقليمية وبخاصة في ظل صناعة القرار السياسي على يد كبار اللاعبين في العالم، من الثابت أن السياسة الأميركية والغربية عموماً لا تخضع لتغيرات محددة في الموقع الرئاسي والحزبي وانتصار هذا الطرف أو ذاك في المعارك الانتخابية، بقدر الاختلاف في الرؤى والتوجهات والخصوصيات التي تخضع في المحصلة النهائية لمؤسسات وطنية أفرزتها تجربتها الديمقراطية، وتراثها الفكري والثقافي والتربوي والإعلامي.
وعلى مدى أجيال من التجارب والعثرات والعقبات التي أعطت -في عصارة ذلك- تلك الصيغة المتقدمة، من المؤسسات والنظم القانونية والدراسات الإستراتيجية - على اختلاف في المدارس والمراكز والرؤى والتصورات-، ليأتي اللاعب الجديد من الرئاسة والكونغرس ومجلس العموم ومجالس الأمة، وما شئت من تسميات تشريعية وقضائية وتنفيذية، لتتحرك في الإطار العام الذي رسمته تلك المؤسسات على مدى عقود، وخططت له عقول كبيرة من خلال دراسات ومعاهد وجامعات وأكاديميات متخصصة، تحمل من الكفاءات والتخصصات والاستشارات ما يندر أن تجد لديها الصيغ الفردية الجاهزة، والعبقريات المتفردة والخارقة للمألوف والعادة، كما نجد في العالم الثالث.
وقد تجلت معطيات هذا العمل السياسي في الانتخابات الأميركية الأخيرة والتي حقق فيها الديمقراطي الإفريقي، باراك أوباما فوزاً حقيقياً مستفيداً من العثرات التي اعترضت مسيرة الإدارة الجمهورية، على مدى ثمانية أعوام من التحولات التاريخية الخطيرة منذ أحداث الحادي عشر من ايلول ومقدماتها ونتائجها وحروبها الحاسمة، وبروز دور تنظيم القاعدة الذي تحرك في نحو ستين دولة في العالم، وشن عمليات منظمة وخاض أساليب قتالية وانتحارية في أفغانستان وباكستان والعراق وتحالف مع كثير من الجماعات والقوى والأطراف والمنظمات، مما كلف إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش الكثير من الأعباء المادية والعسكرية والتحالفات السياسية وما أفرزته من نتائج وامتعاضات في الداخل الأميركي وفي العلاقات والتحالفات الدولية والإقليمية.
وكذلك الأزمة المالية العالمية، ومعاناة الاقتصاد الأميركي ووضع دافعي الضرائب، وتبعات وآثار الحروب الخارجية.
وترث الإدارة الديمقراطية تركة ثقيلة، وإرثاً سياسياً معقداً إلى جانب الملفات الساخنة والحساسة في العراق وفلسطين ولبنان وروسيا وقضايا الدرع الصاروخية والنزاع الروسي الجورجي، والملف النووي الكوري الشمالي وتحديات الملف الإيراني، والتهديد الإسرائيلي بمواجهته وقلقها من تنامي القدرة النووية الإيرانية، والرئيس الجديد الذي يحاول أن يغير ويتغير ويطرح أسلوباً جديداً في التعاطي مع التحديات الدولية والإقليمية التي تواجه إدارته، وما يطرحه من نمط مستجد من التعامل والتفاعل، وهو ما تجلى في خطابه الأخير الذي ألقاه في القاهرة.
تجلت في ذلك الخطاب موهبته في قوة البلاغة والقدرة على تناول القضايا الكبرى بأسلوب مؤثر وعميق، بما يعطيه نمطاً فريداً من التبليغ والإحاطة والاطلاع التاريخي، والرؤية الفكرية المعززة لتوجهاته الدبلوماسية الهادئة، واشارته إلى سماحة الإسلام وتوجهه السلمي، إلا أن الغالب على الردود العربية والدولية والإقليمية على النمط الجديد المطروح كان إيجابياً، وبخاصة في قضايا الشرق الأوسط، والقضية الفلسطينية خاصة حول "دعوة إسرائيل إلى وقف الاستيطان وحمى التوسع فيه، وحل الدولتين والعودة إلى طاولة الحوار، وبالمباشرة في الإشراف الدولي، وضرورة تحلي الطرفين بروح المسؤولية العالية وتنفيذ القرارات الدولية، ودعوة حماس إلى الانخراط في العمل السياسي ونبذ العنف والاعتراف بإسرائيل..".
الرغبة في الدخول في مفاوضات مع طهران حول ملفها النووي، وتهديد كوريا بعقوبات صارمة، وفرض مزيد من العزلة الدولية عليها مع تنامي تصرفاتها وتحدياتها الاستفزازية المتصاعدة على حد قوله، والتركيز الواضح على حق الشعوب في اختيار حكوماتها وفق أسس ديمقراطية، وأن يكون لها الحق في تقرير سياساتها ومصالحها، وما للأقليات من خصوصية وحقوق مشروعة، في ظل تجاهل أنظمة الشرق الأوسط هذه الحقوق، في الوقت الذي نجد غياباً مؤسفاً وغير واقعي، وتهميشاً للآخرين، ورفضاً لوجود المكونات والشعوب الأساسية في بعض البلدان، وإنكاراً للتعددية السياسية والفكرية والقومية، والذي يمكن أن يستفيق على هذا الواقع بمزيد من الحرص على المصلحة الوطنية العليا، مع تنامي موجة الإقصاء والإنكار والفقر والاحتقان، وقد ركز هذا الخطاب على تلميح إلى هذا الجانب الحيوي.
إن الإدارة الأميركية الجديدة، والمجتمع الدولي بمؤسساته ومنظماته، ودوله المؤمنة بالديمقراطية - وهي تواجه تركة معقدة ودقيقة دولياً وإقليمياً بحاجة إلى حكمة بالغة، وصبر وتحمل لمواجهة التوازنات الدقيقة، ولجم الاندفاعات والدخول إلى مختلف المحاور، وبذل أقصى الطاقات لإنجاح التحاور وتلمس التجانس وتلاقي الحضارات، والخروج من أطر المكاييل والمعايير المختلفة، والنظر بجدية إلى قضايا حقوق الإنسان بتوازن، والقضايا العالقة للأمم والشعوب، والبحث عن حلول عادلة لها بالتعاون مع المجتمع الدولي ومؤسساته، ومنع الانتشار النووي وسباق التسلح فيه، ووضع حد لقيم العنف والتطرف والاستبداد والإرهاب والاستعلاء العرقي من أي موطن ومصدر، ورفض القيم التحريضية وترويج الكراهية، والدعوة إلى نشر العلم والمدنية ومقاومة الفقر والتشرد والتخلف، مما تعد قضايا عالمية ينبغي أن يستنفر المجتمع الدولي بتعاون وتضافر طاقاته وقيمه وموارده وذخائره من أجل التعمير والبناء والازدهار، ورفض كل أشكال القمع والتعذيب والاعتقال الكيفي، والإكراه على أي عقيدة، في عالم ينبغي أن يحترم التواصل والتشاور والتلاقي والتكامل، وتحدي أخطار الكوارث البيئية والمناخية، وتحديات الهجرة بدافع الفقر والاضطهاد والظلم، مما لا يخضع لإطار الأمنيات بقدر ما يمكن إنجازه في ظل التحديات الجدية والمواجهة الجماعية المسؤولة، لتنعم البشرية بالأمن والاستقرار.
_________________
تحياتي:
العقول الكبيرة تبحث عن الأفكار..
والعقول المتفتحة تناقش الأحداث..
والعقول الصغيرة تتطفل على شؤون الناس..
مدونة /http://walisala7.wordpress.com/