لكن هذا لم يخُجل مشعل في فبراير الماضي في اجتماع حاشد في جامعة طهران من الإعراب عن شكره العميق لإيران للدعم الذي قدمته خلال الحرب الإسرائيلية الشديدة على قطاع غزة، واصفا إياها بالشريك في النصر , بل قالت صحيفة إيرانية كبرى " كيهان " إن رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل قدم تقريرًا حول حرب غزة، لخامنئي " ولي أمر المسلمين " كما وصفته الصحيفة وقد يكون هذا الوصف مبالغ فيه ويخص الأدبيات الشيعية لكن من المثير معرفة أن مشعل قال في مقالة كتبها ونشرتها صحيفة «الانتقاد» الإيرانية قبل سنوات قليلة وحملت عنوان «نظرة إلى المسيرة الجهادية للإمام الخميني» قال مشعل: «ما أصعب الكتابة عن رجل مثل الإمام الخميني، رجل أحيا الله به أمة وأزال به عرش الطاغوت، رجل أشرق كالشمس في رابعة النهار ليبدد به ظلمات الظالمين والمستكبرين وينير به دروب المستضعفين والحائرين وتعجز الكلمات أن توفيه حقه في التقدير».!
ولأدراك أهمية العلاقة الفصائلية بإيران علينا الرجوع لأقوي التصريحات التي صدرت خلال الفترات الماضية حول طبيعة العلاقة الإيرانية بالمنظمات المسلحة الفلسطينية لقد أطل خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس بخطاب مســــاء السبت الموافق 31 / 5 / 2008 في منطقة السيدة زينب " قم سوريا " جنوب دمشق بحضور السفير الإيراني في سوريا أحمد الموسوي وممثل قائد الثورة الإيرانية في دمشق مجتبي الحسيني في الذكرى السنوية لهلاك الخميني قائلاً " يجب أن يتوحد ويتصالح أبناء العروبة والإسلام ، فإيران جزء من منظومة أمتنا ، وليس من أعدائنا ، يجب أن نميز بين الصديق والعدو! وأؤكد على أننا محتاجينإلى مصالحة حقيقية !لقد سبقه بأيام تصريح محمد حسن أختري السفير الإيراني السابق في سورية والأب الميداني» لحزب الله، ومهندس «العلاقات الخاصة بين سورية وإيران، ومنسق العلاقات بين طهران من ناحية وبين الفصائل الفلسطينية في دمشق الذي قال في لقاء مع جريدة الشرق الأوسط بتاريخ 14/5/2008 " أن أبناء المقاومة الفلسطينية واللبنانية أبناء شرعيون للجمهورية الإسلامية روحيا ومعنويا " مثل هذه التصريحات الإيرانية لا يمكن قراءة بصورة منفكة عن تصريحات سابقة لمشعل عبرت عن اعتزازها بالدور الإيراني والدعم المستمر لها وأغربها التصريح الذي أطلقه رئيس المكتب السياسي لحماس (خالد مشعل) خلال لقائه حفيد الإمام الخميني بالقاهرة ونشرته عدة وكالات أنباء وصحف إيرانية وقال فيه: «إن حماس هي الابن الروحي للإمام الخميني» أو الرسالة الأخيرة التي وجهها إسماعيل هنية رئيس وزراء حكومة غزة إلى "مرشد الثورة الإسلامية "علي خامنئي بمناسبة يوم القدس العالمي 2008 وتناولتها وكالات الأنباء الفارسية الذي ثمن فيها الدور الإيراني في خدمة القضية مبدياً إعجابه بشخصية الخميني عن أمله بأن يؤدي قائد الثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي والرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد صلاة الخلاص في القدس الشريف مبتهلاً إلى الله سبحانه من جوار القدس الشريف أن يحفظ قائد الثورة الإسلامية آية الله الخامنئي والمسئولين الإيرانيين لمواقفهمالمشرفة إزاء قضية الشعب الفلسطيني , هذا الكلام قريب من تصريحات تصريح أحمد يوسف مستشار "إسماعيل هنية" الذي قال فيه: "ما العيب أن تكون شيعيًّا؟ إن الشيعة هم عز ذلك الزمان, لكن بجدر القول بأن اسماعيل هنيه زار ايران في ديسمبر2006 ، ووضع إكليلاً من الزهور علي مرقد الخميني و بعد عودته من زيارة طهران أدلى التصريح في مهرجان انطلاقة حماس بتاريخ 15 / 12 / 2006 م ، حيث افتخر فيه بان" خامئني أعطى الوفد الفلسطيني الزائر له وقتاً لا يعطيه لأي وفد آخرأنا " .!
إن حماس والجهاد لم تكتفي بتعزية حزب الله اللبناني في مقتل مغنية الذي كان يشرف علي تشكيل مليشيات الشيعية وتدريب كوادر الصدر في العراق لتصفية الوجود السني الذي كلف حسب تصريحات حارث الضاري حوالي 100.000 مسلم سني في العراق في الفترة (2003-2006) علي أيدي المليشيات الشيعية خاصة التابعة لمقتدي الصدر الذي أعلنت حماس وبعض فصائل النفاق الفلسطيني تضامنها مع مقتدي الصدر في أغسطس 2004 وإدانتها لتفجيرات النجف , لكن اللافت فيما بعد حديث مشعل في مقابلة مع مجلة البيان عدد 246 / 2008 ، الذي برأ ساحة ايران والمليشيات الشيعية من قتل وتهجير الفلسطينيين والابتعاد عن تسمية الفاعل الحقيقي حين سئل عن مأساة ومجزرة الميلشيات الشيعية التي ترتكبها ضد فلسطيني العراق !
وعودة لمغنية فقد أقامت ( حماس والجهاد ) بيوت عزاء في المخيمات الفلسطينية وقطاع غزة للدلالة علي مدي الارتباط وحجم التأثر بمقتل الرجل لكنها لم تتأثر بمقتل ألزرقاوي السني ولم تقم له بيوت عزاء أسوة بالهالك مغنية الذي قتل في فبراير 2008 وقد سبقه تعزية بالزعيم الشيعي الطائفي في العراق محمد باقر الحكيم !
كعادة حماس فهي تستخدم إعلام مزدوج ومضلل طرفيه خارجي والأخر داخلي تخرج كلماته عادة بحذر ودقة حتي تتلاشي وقوع أي حرج مع قواعدها الشعبية الذين غالبيتهم من الشباب السلفي لكنه يتلقي أفكاراً وإعلاما مخالفا لمثل هذه التصريحات الخارجية لقيادة الحركة السياسية المرتمية في أحضان النظام الإيراني والسوري ألنصيري.
لقد استطاعت إيران خلال السنوات الأخيرة استغلال حاجة المنظمات الفلسطينية السنية وضائقتها المالية وأوصلتها إلي مرحلة الإشباع المالي والأريحية السياسية ومن ثم قبضت إيران الأرباح التكتيكية في سبيل تحقيق الهدف الاستراتيجي للإطماع الفارسية مستخدمة شعارات ثورية عاطفية تعزز حضورها الشعبي وفرضت نفسها كبديل للمنظمات الفلسطينية السنية وازداد الارتباط بالحليف الإيراني والاعتماد عليه خاصة من طرف حماس وحركة الجهاد الإسلامي خاصة التي تتمتع بعلاقة قوية وينشط فيها تيار متشيع موالي لإيران يذكر ان مؤسس الحركة هو الشقاقي والذي ألف كتاب "الخميني الحل الإسلامي والبديل تلاه تولي قيادة الحركة بعده الدكتور مضان شلح الذي أعلن أن مرشد حركته هو المرشد الأعلى للثورة الإيرانية وكلاهما يتبع الهوي الايراني، وقد نتج عن ذلك مأزق فكري وشرعي حاد تعيشه قواعد الحركة وقيادتها المنقسمة فعلياً لعدة تيارات منها ما هو تجاوز حالة التشيع السياسي ودخل في ممارسة التشيع المذهبي والذي بدوره انتقل إلي جزء من القواعد الحركية في الداخل والخارج , وهناك طرف أخر مازال يحاول أن يتماسك ويحافظ علي خطوط متوازية في العلاقة بإيران دون المساس بمذهبه السني وهذا لن يصمد علي ألمدي الطويل لقوة وسيطرة التيار التشيع المذهبي المدعوم إيرانيا ! وعلي عكس ذلك فإن حركة حماس الذي تطورت علاقتها بإيران متأخرة تعتمد علي تمويل إيراني سواء المالي والعسكري بحجم أكبر بكثير مما تأخذه المنظمات الأخرى نظراً لكبر الحركة وقواعدها الشعبية واتساع حجمها وقيادتها دفة الحكم في غزة , لذلك لا يعتقد حصول تأكل يؤدي إلي نشر التشيع في بنيتها الداخلية الفكرية في السنوات القليلة القادمة لوجود تماسك داخلي وتغذية في بنية الحركة وتركيبتها الفكرية رغم أن أي تفكك مقبل سيكون تجاه تبني الفكر السلفي الذي يقترب من القاعدة لكن يبقي أن حماس تمارس لعبة التضليل الشرعي في مسألة إيران وحزب الله بما يوهم الناس أنهما ليس بأعداء للأمة والمنهج السني , والجدير ذكره أن حماس خلال السنوات الماضية كانت تقود حرباً إعلامية وفكرية داخلية ضد الجهاد الإسلامي متهمة إياها بالتشيع والارتباط بعلاقات مشبوهة مع إيران لكنها وقعت فيما وقع فيه الآخرين بل تتسارع خطاها نحو الهاوية بعد الانزلاقات الشرعية المتكررة .
لقد شكلت هذه المنظمات خاصة حماس والجهاد التي تعتمد علي الدعم المالي الإيراني قوة ضاربة غير مباشرة مرتبطة بالحليف الإيراني تضاف إلي الأذرع المنتشرة القوية في العراق ولبنان وبعض الدول الخليجية تستفيد منه في مواجهة الضغوط الدولية المتعلقة ببرنامجها النووي المتنازع علي مدي مشروعيته وخطورته والذي تتخوف دول الاعتدال العربي وأنظمة الحكم في الخليج العربي من امتلاك إيران للسلاح النووي وسيطرتها الإقليمية والذي يتوقع أن يكون هذا العام حاسم في معالجة ملفها النووي في ضوء الاتفاق الدولي والاصطفاف الإقليمي الذي بدأ يتبلور ضد إيران وتحاول الدول الواقعة في الفلك الأمريكي والمصطلح علي تسميتها بدول الاعتدال العربي فك ارتباط الجماعات الفلسطينية وسوريا مع إيران ولا يعتقد أن تقبل حماس بهذا الأمر دون الحصول علي بديل مالي وسياسي فحماس تؤكد علي حق إيران في امتلاك السلاح النووي بل لقد هدد مشعل صراحة في ديسمبر 2005 أن الحركة لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء أي اعتداء إسرائيلي علي إيران قائلاً " إن الحركة ستزيد من هجماتها على إسرائيل اذا قامت بمهاجمة إيران " .
يمكن القول أن المنظمات الفلسطينية دخلت علي الأقل في مرحلة التشيع السياسي لكثير من قيادتها خلال السنوات الأخيرة ووجدت نفسها مكبلة بالقيود الإيرانية التي لن تنفك وستزداد تدريجياً وكلما زادت الحاجة للمال الإيراني خلال السنوات العشر القادمة ستدخل في مرحلة الولاء التام و الارتباط الكامل , وقد احتجت حماس التي لا تخفي علاقتها بإيران أنها قائمة علي الاحترام والمصالح المتبادلة ؟! يذكر أن بداية تشكل العلاقة بين حماس وإيران منذ خروجها من الأردن بعد طرد النظام الأردني لمكتبها السياسي فاتجهت إلي سوريا وإيران والسودان واليمن , ويبرز هناك سؤال ماهية المصالح التي تستطيع أن يوفرها الطرفين الضعيفين حماس والجهاد الإسلامي لإيران , وماهية المقومات الإستراتيجية لكلاهما في خدمة اللاعب الإيراني في صراع الإقليمي والدولي أكثر من أن يكونا ذراع عسكري وغطاء محلي يوفر غطاء شعبي إسلامي وعربي يخدم المخطط النووي والتشيع الإيراني ؟! في لعبة المصالح الدولية واجبات الطرف الضعيف أكثر وأكبر من حجمه وقدرته علي المراوغة أو التخفي بعيداً .
يجب أن تنتبه قيادة التنظيمات الفلسطينية التي غرتها المواقف الإيرانية وحجم البذخ المالي أنه ليس هناك مال "ببلاش " في عالم السياسة والعلاقات الدولية , فكلما تعمقت العلاقة بين الطرفين أصبح الطرف الضعيف أداة مباشرة أو غير مباشرة في خدمة مصلحة وأهداف الطرف القوي وهنا إيران فالمساعي الإيرانية لم تتوقف عن محاولة غزو المجتمعات السنية ونشر المذهب الشيعي كما يعترف القرضاوي أكبر مرجعية سنية واخوانية داعية للتقريب مع المذهب الشيعي لكن قيادة حماس في دمشق لم تتدخل لمناصرة الرجل في وجه الاتهامات الشيعية بل نأت بنفسها بعيداً ووقفت علي مسافة واحدة كي لا تخسر الطرفين .
إن مساعي الغزو الشيعي لفلسطين واختراق جبهتها له أهمية كبيرة ويعتبر حلم كبير له أهميته وأبعاده الإستراتيجية والمذهبية الخطيرة أقترب كثيراً دون مبالاة أو تحرك جدي من قادة ومشايخ هذه التنظيمات التي سقطت في الحبال الإيرانية رغم أن بعض الدوائر الداخلية سواء في حركتي حماس والجهاد أو حكومة هنية تبدي قلقلها في مجالسها الخاصة من التمدد الشيعي وتنامي الظاهرة في غزة لكن هذا لايعفيها من مسئولياتها الأخلاقية والتزاماتها الشرعية التي أسقطتها مع ازدياد المصلحة الحزبية للعلاقة مع إيران , لقد نقل في السابق أن الشيخ أحمد ياسين وصف العلاقة بإيران بأنها تقاطع مصالح لا تحالف , لكن الأمر بنظر المراقبين أقرب إلي تحالف اختفت فيها الخطوط العريضة , وبالرغم من جهود الحركة –حماس- سابقاً في محاربة التشيع والتوعية الداخلية في الاطر الحركية , لكن اللافت فيما تنقله المصادر حول ما كتبه الدكتور "صالح الرقب" القيادي البارز في حماس في عام 2003 كتابًا بعنوان : (الوشيعة في كشف شنائع وضلالات الشيعة )، ذكر أن الباعث على تأليفه هو زيادة الدعوة إلى منهج الشيعة الاثنى عشرية في "غزة" في الآونة الأخيرة ، فهذا الكتاب هو حاضر في المكتبة الإسلامية مفقود في الواقع الفلسطيني يري بعض المراقبين أنه تم تغيبه بفعل الضغوط الشيعية والمجاملة السياسية من الحركة للحليف الإيراني, لكن من المفيد القول أنه بمقتل الشيخ نزار ريان أحد قيادات الحركة الشرعية الذي كان ثقل شرعي وفكري في قواعد الحركة وكان دائم التصدي لمحاولات التغلغل الشيعي في فلسطين وتعرية عقائدهم الزائفة ، قد فقدت الحركة بمقتله أحد أهم أعمدة الضغط علي القيادة السياسية في عدم تجاوز الخطوط الحمراء في العلاقة مع الشيعة وهذا ينذر باهتزاز تيار المعارضين أو المدافعين عن الخط السلفي الحركة داخل قطاع غزة , بل إن بمقتله اهتز تيار الدعوة العامة ضد التغلغل الشيعي في قطاع غزة ولم يعد لها غطاء مساند .
علي الأقل في هذه المرحلة يمكن استنتاج الكثير من المردود السلبي للعلاقة الفصائلية بإيران منها اللامبالاة والسكوت إزاء عدد من القضايا فيما يخص تقتيل وتهجير الفلسطينيين في العراق أو جرائم الشيعة بحق أهل السنة ومحاولة التوسع الإقليمي , غض الطرف عما يحصل علي الأرض من تنامي للمد الشيعي في غزة ولمؤسساتها الاجتماعية العاملة بل والتشديد علي الخطب والمنابر التابعة لوزارة الأوقاف الرسمية التي تتبع حكومة حماس أو مساجد التي تخضع لسيطرة الجهاد الإسلامي دون الحيلولة للتطرق لعقيدة الشيعة وتعرية مذهبهم الحاقد و فضح جرائمهم ضد المسلمين من السنة بل لقد ترجمت حالة التشيع السياسي في خطوات عملية كمحاربة الكتابات علي الجدران أو المطبوعات و إلغاء العروض المرئية التي تتهجم علي الحليف الإيراني وتفضح مخططه الشيعي الخبيث , لكن يبقي أنه في السياسة ليس هناك ثم عمل خيري و دفع مجاني بل كل شيئ بمقابل وفي حالة حماس والجهاد فكلما ازداد الاعتماد علي الحليف الإيراني مادياً وسياسياً كلما كلفهما ثوابت عقدية وشرعية وسياسيةً ليس أقلها توفير غطاء لنشر التشيع بين عامة أهل السنة في فلسطين وتضليل الناس وفتنتهم في مذهبهم السني والمساهمة في تحقيق الحلم ألصفوي بالسيطرة والتوسع !
لقد جاء في نص الميثاق الذي أصدره حزب الله في عام 1985، القول "إننا نمثل طليعة الحركة الإسلامية في العالم، التي مرجعيتها تتمثل في الولي الفقيه في هذا الزمان روح الله الخميني، ونقتدي بكلام محمد باقر الصدر الذي يقول "ذوبوا في الإمام الخميني مثلما ذاب الخميني في الإسلام" فهل ذابت أيضاً طليعة الحركات الإسلامية في فلسطين في فكر وفلسفة الهالك الخميني كما ذاب حزب الله الشيعي في لبنان ؟! كم بقي من الوقت لنتدارك الأمر ؟!
كتبه / أبو حمزة المقدسي
_________________
تحياتي:
العقول الكبيرة تبحث عن الأفكار..
والعقول المتفتحة تناقش الأحداث..
والعقول الصغيرة تتطفل على شؤون الناس..
مدونة /http://walisala7.wordpress.com/