بقلم : عبدالله جمال أبو الهنود
بعد أن أنهكني المشي علي قدماي لأكثر من ساعتين ،لعدم توفر المواصلات ، جلست لارتاح قليلا علي حجرا بجوار الطريق وفي لحظة خيال بيني وبين نفسي وأنا جالس ، جاءني جدي هذا الرجل الصالح الذي تشهد له رفح ،بل غزة كلها ، فجدي قد انتقل إلي جوار ربه منذ زمن بعيد ، فجاء لي مهلهلا مبتسما يريد أن يأخذني بين أحضانه ، فراني عبوسا حزينا كحال معظم سكان غزة ، فتغيرت ملامحه ، فدار بيننا حوار كان في غاية الألم والحسرة ،خليط ما بين الدموع والشفقة
جدي : يا حفيدي ...لقد جئت إليك وفي طريقي مررت علي العديد من الأصدقاء فلم أجدهم ...فوجدت أحفادهم مثلك علامات القهر والحزن تفضحهم ؟
أنا : أهلا بك أيها الرجل الصالح ،كم نشتاق لك ،والي أصدقائك الذين رحلوا واخذوا كل القيم والمبادئ والبركة معهم .
جدي : يا حفيدي في صوتك نبرة تزعجني ؟
أنا : آه يا جدي لقد تحولنا إلي أموات بلا قبور ...لقد قتلتنا الفرقة والخلافات الداخلية ،آه يا جدي أصبح في غزة لا يوجد إلا الشعارات ولا نملك إلا الشعارات ...نأكل ونشرب شعارات ،آه يا جدي ماذا أقول لك ،،،
جدي : مش مهم يا حفيدي كل دولة بها من الخلافات والنزاعات ،ولكن الحمد الله أصبح لكم دوله ،،،فأمور الحكم يا حفيدي تتغير .
أنا : دوله ...(ههه) قل دولتان ،دولة الضفة ومملكة غزة ؟ والاحتلال مازال يجثوا فوق صدورنا هنا في غزة وهناك في الضفة ؟
جدي: ماذا ؟ هل أنت صادق ؟ مش مشكل يا بني قد يكون تكتيك ؟ ماذا عن حكام غزة ؟
أنا : حكام غزة ...والله يا جدي لا اعرف من يحكمها تحديدا ، فهل هم فلسطينيون أم سوريون ،أم إيرانيون ،لا اعلم ،ولكن ما أعلمه تحديدا ،أننا هنا في غزة الوحيدون في العالم الذين نملك حكومة ربانية ، لا تسأل عما تفعل ،فهي حكومة رشيدة لا تخطئ أبدا
جدي : وأين الدعاة ورجال الدين ليصوبوا الحكام ؟
أنا : الدعاة ؟؟؟ لم يعد هناك دعاه مثلكم يا جدي ،فقد صعد علي منبر رسول الله الجميع ،من أطباء ،مهندسين ،مدرسين ، تجار ، نجارين ،عاملوا النظافة ،من يحمل شهادات ومن هو أمي لا يجيد قراءة القران ، إلا رجال الدين والدعاة ،لم يستطيعوا صعود المنابر ، فالدين يا جدي أصبح لعبة أو أداة في يد السياسيين لتمكين كراسي الحكم ، لقد سيس الدين ،وأصبح أي احد يستطيع يمنح صكوك الجنة أو النار ..
جدي : والناس يا حفيدي أين هم
أنا : آه يا جدي الم اقل لك أننا أصبحنا أموات بلا قبور ، لقد تبلدنا وأخرست ألسنتنا ، ولم نعد نثق حتي بأنفسنا ،فالخوف هو سمة الجميع ، لن أزيد عليك يا جدي ، تصور أن فتح المعبر أصبح هو اسمي أمانينا ، يا جدي أصبح الإنسان هنا لا ثمن له ولا معني ، يا جدي ماذا أقول وأقول ؟
وفي لحظة كأنني أمام مشهد من مشاهد مسرحية كأسك يا وطن ،للفنان العربي دريد لحام ،ولكن الممثلين اختفوا وتبدلت أدوارهم
فإذا بجدي يقول وهو يصرخ : لقد قتلتني يا حفيدي ؟ لقد قتلتموني يا أهل غزة .
وذهب بعيدا وكأنه سراب
فصرخت عليه 'جدي يا جدي خذني معاك فأنت توفيت وارتحت ،أما نحن موتنا وما زلنا أحياء ،نتعذب كل يوم ،ولا احد يشفع لنا آه يا جدي
ولنا بقية إذا كان في العمر بقية