رامي طفل في الرابعة عشرة من عمره يجلس تحت بيت زراعي ، أمام 'بكرة' ولفة 'سلك' حديدي يسحب بجهاز كهربائي شبيه بمضخة ماء صغيرة ، وأمامه ما يطلق عليه حفّار الأنفاق ( النبع) وهو فوهة النفق او الفتحة العامودية التي توصل سطح الأرض بقاع النفق من أسفل ، والنبع يغطي عن جوانبه بالخشب لتقويته وضمان عدم انهياره ، وهذا فقط بالأنفاق الجديدة ، والنبع هذا يتراوح طوله حسب عمق النفق ولكن لا يقل عن 12 مترا طولي وقد يصل أحيانا الى 30 مترا وهوالعمق الحقيقي للنفق وبعده عن سطح الأرض، رامي قال (لأمد) أتيت باحثاً عن عمل في الفترة الصباحية لضيق الوضع المادي للاسرة وأمارس اشغال خدماتية مثل حراسة النفق و تحضير الشاي والقهوة للعمال وتلبية طلباتهم .
اما جمال الذي جاء من اقصى شمال قطاع غزة 'بيت حانون' الى جنوبه من أجل العمل مهمته الحفر داخل النفق و'التخشيب' أي وضع الواح الخشب للمناطق الضعيفة داخل النفق وتمديد الكهرباء ، يقول (لأمد) أحضر من بيت حانون كل صباح يوم سبت وابقى مقيما في منطقة النفق داخل 'البيت الزراعي' حتى مغيب يوم الخميس ، وأنا مضطر الى هذا العمل فلدي اسرتي المكونة من ثمانية افراد ووالدتي مريضة وتحتاج الى عناية ، ولو لم اعمل لنكشف حال اسرتي واصبحت متسولا امام ابواب المساجد ، لا فالموت هنا أهون عليَّ من التسول.
النفق قد يصل طوله الى 600 متر حتى يصل الى ما يسمى ' الأمين' وهو المسئول عن النفق بالجانب المصري والذي يرسل البضائع ويشرف على كل صغيرة وكبيرة تمر عبره ، وطول النفق مرهون ببعد وقرب المسافة التي يكون عليها 'الأمين' ولكن وحسب ما وصل (أمد) أن اقصر الانفاق مسافة الى الجانب المصري هي 230 مترا .
يقول ياسر أحد المسئولين عن نفقين في منطقة تل السلطان (لأمد) نستعمل لحفر الأنفاق 'الدر' او 'البينجو' وهي الة حفر تعمل بالكهرباء ولها حفارة عريضة ، ونستخدم 'المعول' وما يعرف 'بالكريك' لرفع التراب من النفق الى السطح بواسطة 'القفف' وعبر سلك البكرة والذي ايضا يعمل بالكهرباء، وهناك من يستخدم الأحصنة لجر الحبل المعقود عليه القفف لرفع التراب ، ذلك حسب الإمكانيات المادية لصاحب النفق، ويضيف (لأمد) ويعمل داخل النفق من 5 إلى 7 أشخاص مهمتهم الحفر ورفع التراب والتخشيب وتمديد أسلاك الكهرباء .
وحسب المصادر العاملة في حفر الأنفاق أن طبيعة الأرض تلعب دورا هاما في تحديد عمق النفق فكلما اقتربت المنطقة من البحر كانت طبيعة الأرض رملية ، والرمال تحتاج الى حفر اعمق من المناطق الطينية ، وهي اخطر من حيث فقدان السلامة اثناء الحفر لحدوث انهيارات مفاجئة ، لذا يحاول تجار الانفاق وحفارها الى الابتعاد عن المناطق القريبة من البحر ، ففي هذه المناطق انهارات العديد من الأنفاق وتسببت بموت العشرات من حفارها.
عثمان أحد الذين التحقوا حديثا بحفر الأنفاق كان بائع خضرة على بسطة في سوق جباليا ، ولقلة الدخل اليومي ، وتراكم الديون عليه ، ولسوء وضع بيته من ناحية البناء وخاصة ان سقف بيته في المخيم من مادة 'الزينكو' القديم والمثقوب والغير مهيأ للشتاء وسقوط الامطار ، اضطر الى تلبية دعوة 'الموت' وتعريض نفسه للخطر ، بحفر الانفاق وحسب ما قال (لأمد) انه الاسبوع الأول له في الحفر وهو اسبوع 'تعليمي' يتقاضى عليه نصف أجر ، وقد يصل اجره في هذا الاسبوع الى 250 دولار أمريكي ، وهو ما لم يحصل عليه طيلة ستة أشهر في عمله العادي.
اجور عمال حفر الأنفاق يتفق عليها صاحب النفق وقد لا يكون هو نفسه التاجر ، فغاليا الأنفاق تكون لمالك الأرض المحفور منها النفق ، وباتفاق مع تاجر كبير لديه المال والأمكانية لتغطية مصاريف الحفر ، والمصاريف حسب ما أفادت المصادر (لأمد) تختلف من نفق الى أخر ومن منطقة الى أخرى والثابت أن المتر الواحد من الحفر يكلف صاحبه 150 دولارا غير التخشيب والمصاريف الأضافية ، وتوزع الــ 150 دولارا على حفارة النفق ، بالتساوي او الاتفاق المسبق وحسب طبيعة عمل كل واحد منهم ، وغالبا ما يستخدم صاحب النفق 'الريس' وهو الشخص المسئول عن العمال ، وبالاتفاق مع صاحب النفق يلتزم 'الريس' بتسليم النفق محفورا وجاهزا بزمن معلوم والتكلفة حسب الامتار.
يقول عائد 'ريس' أحد الأنفاق في منطقة تل السلطان برفح جنوب قطاع غزة (لأمد) أقل الأمتار التي يتم حفرها من قبل سبعة عمال يوميا هي العشرة أمتار وقد تصل الى 15 مترا، وطبيعة التربة والظروف المحيطة بالحفر تلعب دورا هاما في انجاز امتار الحفر.
في التقرير التالي نتعرف على طرق الاتصال مع الأمين بالجانب المصري ونوعية البضائع المدخلة عبر الانفاق واسواق تصريفها.