هلع الاستثمارات في غزة بقلم/ توفيق أبو شومر
ما أكثر الأبحاث والدراسات والإحصاءات عن أعداد الجرحى والمصابين من آثار الإغلاق والحصار والمنع والتضييق، وما أكثر المراكز التي توثِّق الاعتداءات الإسرائيلية والقصف والتجريف!!
ولكن.... ما أقل الدراسات في علم نفس المجتمع في غزة، التي تدرس الأمراض النفسية والاجتماعية الناجمة عن حالة الحصار، وبخاصة منع الفلسطينيين من أبسط حقوقهم في الحياة كالرحلة والسفر، والتي تعالج نقص المخزون الثقافي عند الغزيين مما جعلهم يصابون بإمراض اجتماعية كثيرة، مما أثِّر سلبيا على قدراتهم في شتى مجالات الحياة!
وهذا بالطبع لا يعني أن غزة تخلو من الإبداعات والطاقات، ففي غزة مناجم من المبدعين والمفكرين، غير أن غزة المشغولة بكوارثها لا تُحسِنُ استثمار طاقاتهم وإبداعاتهم فمعامل إنتاج فيروسات الأمراض المجتمعية ما تزال تتفوَّق على طاقات وإمكانات المبدعين والمفكرين!
الحقيقة أن هناك مجموعة من الظواهر في غزة تستحق الدراسة والمتابعة، ولعل أبرزها ما يحدث بين كل فترة وأخرى من (لوثات) أو حالات من جنون الاستثمارات العجيبة!
فمنذ سنوات ظهرت أول أنواع الحمى، أو لوثة توظيف الأموال في الأنفاق، وكانت تلك اللوثة غريبة عجيبة، فلم يكن توظيف الأموال ناجما عن اكتشاف النفط أو الغاز في باطن الأرض، أو أنه استثمار في مناجم ذهبية أو معدنية في ثرى رفح، أو حتى أنه اكتشاف لمخزون هائل من الفحم الحجري أو أكسيد الحديد في جوف معبر فيلادلفي ، حتى إن لوثة الأنفاق وصلت لدرجة أن كثيرين باعوا ممتلكاتهم الشخصية واستدانوا بعد إصابتهم بلوثة الأنفاق، بادعاء أن الربح سيكون مضاعفا عشرات المرات، ومنحوا كل ما يملكون لطائفة من السماسرة بلا ضمانات!
واستيقظ المصابون باللوثة على فجيعة كبرى، وهي أن الأنفاق لم تكن سوى حالة بدأت بالجنون وانتهتْ إلى الجنون، واستعاد المصابون باللوثة عقولهم من جديد، بعد أن أدركوا الحقيقة، ولكن إلى حين!!
ثم بدأ جنون آخر وهو تخزين مشتقات الوقود، وحول الغزيون بيوتهم إلى مستودعات للوقود، وناموا في أحضان غالونات البنزين والغاز، في انتظار شح النفط، حتى أن أحدهم حوَّل بئرا تراثيا لمستودع لتخزين النفط، فتشقق البئر وتبخر النفط!
ثم ظهرتْ لوثة أخرى جديدة لا تقل خطورة عن اللوثات السابقة، وهي جنون شراء قطع الأرض في غزة، فتحولت قطع الأراضي المهجورة في غزة إلى عقارات هولندية، أو سويسرية أو لندنية، وارتفع سعر الشقق والأراضي بشكل فاق كل التوقعات، في بلد محاصر مقهور، يبثُّ إعلامُهُ صباح مساء قصص الفقر والقهر وضيق الرزق!
ولم يعد بإمكان متوسطي الحال أن يشتروا شقة حقيرة، أو قطعة أرض صغيرة لبناء منزل، بعد أن أصبحتْ قطعة الأرض في منطقة مهجورة في غزة أغلى من نظيرتها في تل أبيب!!
أما اللوثة الرابعة فهي لوثة السفر خارج غزة عبر معبر رفح، فصار السؤال:
" هل حجزتَ للسفر؟" هو الطبق الشعبي في غزة، وانهال الغزيون يحجزون الأماكن للسفر، حتى ولو لم يكونوا راغبين في السفر، وأصبحوا يعوِّقون ويأخذون أماكن أصحاب الحاجات المضطرين!!
ولم أذكر لوثاتٍ سابقةً أخرى جرى تجاوزها، بعد أن أستنفدت وقتها، واختفتْ، ولم نحسب خسائرنا، فقد غيّر معظم مالكي السيارات في غزة قبل سنوات نظام تشغيل سياراتهم من الوقود السائل إلى الغاز، فظهرت تجارة مضخات غاز السيارات، وما إن حوّل الغزيون سياراتهم إلى الغاز، حتى قُطعتْ إمدادات الغاز، وذهبت نقودهم أدراج الرياح!!
وما أكثر التُجار الذين خسروا بضائع جرى شراؤها بكميات هائلة، بسبب لوثة الهلع التي تسيطر على غزة!
ففي غزة من الألبسة المخزونة ما قد يكفي لكثير من ملايين فقراء إفريقية، وفيها كميات لا تحصى من نفايات مصانع الأسيد والبطاريات قد تكفى لتخريب النظام البيئي في دولة صحراوية كبيرة!
وأخيرا إليكم هذه المُعادلات الحسابية الفكرية:
استثمارات الهلع(-)ناقص انعدام حسابات الجدوى= تساوي خسارة مؤكدة
الحصار والإغلاق ناقص(-) الثقافة والوعي = يساوي مرض جنون الهلع الدائم!
المنع والقهر ناقص(-) وسائل الترفيه = يساوي تدمير البنية الأسرية الأساسية!
السلطة القمعية ناقص(-) الحريات الشخصية = يساوي جرائم اجتماعية كسفاح الأقارب والسرقة والنصب والاحتيال والإدمان!
_________________
تحياتي:
العقول الكبيرة تبحث عن الأفكار..
والعقول المتفتحة تناقش الأحداث..
والعقول الصغيرة تتطفل على شؤون الناس..
مدونة /http://walisala7.wordpress.com/