طرود الكائدة
كتب: عبدالباسط الحبيشي
ربما لم يعد خافياً على أحد بأن اللعب أصبح بالمكشوف وعلى الطاولة ، وأن المباراة مع الأسف الشديد خلال دورة العشر السنوات القادمة ستكون مقرها الأراضي اليمنية بعد أن كانت العراق في العشر السنوات الماضية. اللاعبون الأساسيون هم أنفسهم مع بعض التغييرات في لاعبي الكومبارس وبعض أصول اللعبة.
كان ذلك واضحاً وجلياً من خلال الكلمة التي ألقاها الرئيس الأمريكي باراك اوباما صباح يوم الجمعة قبل الماضية حين أعلن أنه سيعمل على حماية الشعب الأمريكي من إرهاب "الكائدة" ووعد بتدميرها على الأراضي اليمنية.
خلال حديثه في ذلك المؤتمر الصحافي الذي عقده في البيت الأبيض ذكرني بسلفه الرئيس الأميريكي السابق جورج بوش .. تماماً قبل العدوان على العراق. كرر نفس الكلمات! نفس العبارات! نفس المصطلحات! وحتى نفس التهديدات!. بعد هذا المؤتمر بفترة قصيرة ، شاهدنا مؤتمر صحافي آخر ولكن من اليمن حيث طلع علينا الحاكم علي عبدالله صالح يرد على الرئيس الأمريكي بأسلوب غير مباشر "بأنه لا يقبل التدخل الخارجي في الشئون الداخلية لليمن"!!
لذلك وفي اليوم التالي إنتقلت التهمة من الطالبة حنان السماوي اليمنية الجنسية إلى المتهم إبراهيم العسيري من منتسبي "الكائدة" سعودي الجنسية الموجود في اليمن حالياً كما تقول التقارير الأخبارية. لكن المتفق عليه من قبل الجميع أن اليمن هي مصدر الطرود وهي أيضاً ساحة اللعب وموقع المعركة سواءًا كانت جنسية المتهم نيجيري أو سعودي أو يمني أو حتى يوناني ، والتحضير لهذا اللعب بدأ مبكراً أي منذ سنتين على الأقل عندما شنت الصحف الغربية حملة غير مسبوقة ومفاجأة مفادها أن عناصر تنظيم القاعدة سينتقلوا إلى اليمن من أفغانستان وباكستان كون الأولى أصبحت دولة مهئية لإستقبال مثل هذه العناصر من حيث حكومتها الرخوة وتضاريسها الوعرة ، وأستمرت هذه الحملة تتصاعد وتكبر مثل كرة الثلج من إعلان إندماج إرهابيي "الكائدة" في بلاد نجد والحجاز مع "إرهابيي" اليمن إلى أن تم القبض على عمر الفاروق في مطار مدينة شيكاغو أثناء إحتفالات عيد الميلاد الماضية مما حدا بأحد الكتاب الأميريكين البارزين ، وهو توماس فريدمان المشهور بإنحيازه إلى اليمين المتطرف وصقور حقبة الرئيس بوش وأحد المنظرين الكبار للسياسة الأمريكية ، إلى السفر إلى اليمن لسبر أغوار الظروف الإجتماعية والسياسة في اليمن وعلاقتها بوجود تنظيم القاعدة حيث قام بإستقباله الحاكم صالح.
توقع الكثير بأنه سيقوم بكتابة سلسلة طويلة من المقالات عن دور الحكومة اليمنية "الرشيدة" في مكافحة الإرهاب وضرورة الدعم الأميريكي لهذا الدور ، لكنه لم يكتب سوى مقالة واحدة من جزئين نشرت في النيويوك تايمزفي شهر فبراير الماضي وأهم ما قاله الرجل من وجهة نظري : "مقابل كل صاروخ نطلقه على هدف من أهداف القاعدة هنا (أي في اليمن)، ينبغي أن نساعد اليمن في بناء خمسين مدرسة جديدة تقوم بتعليم العلوم والرياضيات ومناهج التفكير الحديثة للأولاد والبنات." وأضاف "إذا أستطعنا أن نقارب بين نسبة القتل المستهدف وبناء حضانات للأطفال ، ستكون لدينا فرصة لتجنيب اليمن من أن تصبح أرض مرضعة للقاعدة ، لأنه يوجد الآن ما يقارب ثلاثمأة ألف خريج جامعي يمني عاطل عن العمل ـ جزئياً ، بسبب التدريب المتدني ، ومن ناحية أخرى بسبب عدم وجود وظائف – خمسة عشر ألف طفل دارس لا يقصدون فصول الدراسة ، نسبة 65 من المدرسين يحملون شهادات ثانوية فقط وآلاف الأطفال يتعلمون أكثر النظريات الدينية....".
هذا هو إذاً بيت القصيد ، هدم كافة البنى الإجتماعية والثقافية والدينية وحتى التاريخية عن طريق محاربة "الكائدة" بصوايخ كروز وطائرات بدون طيارين ، وعلى أنقاض هذا الركام بناء اليمن الجديد على غرار النموذج الذي تراه القوى المهيمنة مناسباً. العمل في هذا الإتجاه يسير على قدم وساق وستنتقل إلى اليمن قريباً مكاتب دول أصدقاء اليمن الذين سيتعهدون بإدارة اليمن أقتصاياً وأمنياً وتجارياً وسياسياً وهذا على ما أعتقد لا ينسجم تماماً مع طموحات السلطة اليمنية لأنه يسحب البساط التدريجي من تحت أقدام التوريث ومن تحت أقدام تجار الحروب وطواغيت الفساد لكن في المقابل يضع اليمن تحت الوصاية الدولية بالكامل.
لذا فإن اليمن ستشهد قريباً مواجهات دامية بين "الكائدة" المصنعة محلياً وال"كائدة" المستوردة وسيبدأ اللعب على الجرار وستبدأ المنازلة الوحشية بين الطرفين ، لأن السلطة لا تمتلك الجرأة بالإعتراف والتنكر لوجود "الكائدة" نهائياً لأنها عملت على الترويج لها ردح من الزمن وشاركت في نسج خيوطها وأعلنت على الملأ خطر وجودها على الساحة اليمنية وحاولت إقحامها على الحراك الجنوبي وحركة الحوثيين ، بيد أننا نتابع بعض التراجع على ألسنة بعض المسؤولين اليمنيين الذين يرجعون أصل "الكائدة" للغرب هروباً من فضيحة الطرود.
لقد غرقت السلطة في وحل "الكائدة" من أخمص قدميها حتى رأسها ولم يعد أمامها سوى دعوة القوى الوطنية الحقيقية لإنقاذها من الفخ الذي صنعته بيدها ونصبته لليمن وأبنائه حتى لا ينطبق عليها المثل الشعبي القائل " آخر المُحّنِش للحنش"
bassethubaishi@yahoo.com
_________________
تحياتي:
العقول الكبيرة تبحث عن الأفكار..
والعقول المتفتحة تناقش الأحداث..
والعقول الصغيرة تتطفل على شؤون الناس..
مدونة /http://walisala7.wordpress.com/